الانوار البهية في القواعد الفقهية

اشارة

نام كتاب: الأنوار البهية في القواعد الفقهية

سرشناسه : طباطبایی قمی، تقی، - 1301

عنوان و نام پديدآور : الانوار البهیه فی القواعد الفقهیه/ تقی الطباطبایی القمی

مشخصات نشر : قم: محلاتی، 1378.

مشخصات ظاهری : ص 96

شابک : 964-91246-2-4

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع : فقه -- قواعد

رده بندی کنگره : BP169/5/طالف28 1378

رده بندی دیویی : 297/324

شماره کتابشناسی ملی : م 78-17473

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

نوبت چاپ: اول

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*

يا صاحب الزمان يا أبا صالح المهدي أغثني

الحمد للّه و الصلاة علي محمّد و آله: و بعد فإن اللّه تبارك و تعالي وفّقني في شهر رمضان سنة الألف و الأربعمائة و التاسع عشر من الهجرة النبوية للبحث حول عدة قواعد فقهية و قد حضر الأبحاث و المحاضرات عدة من الأفاضل و الأعلام و كتبت ما خلج ببالي القاصر و أحببت أن أقدّمه للطبع و النشر كي يكون نفعه عاما و يكون ذخرا ليوم فقري و فاقتي الذي لٰا يَنْفَعُ فيه مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَي اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ و علي اللّه التوكّل و التكلان هو حسبي وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

تقي الطباطبائي القمي

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 5

القاعدة الأولي قاعدة من ملك

اشارة

من القواعد الفقهية قاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به و ينبغي أن يتكلم حول هذه القاعدة من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في بيان المراد من هذه الجملة

، فنقول: تارة نلاحظ ما هو المستفاد من الجملة بحسب المتفاهم العرفي و اخري نلاحظ ما يراد منها عند الأصحاب فيقع الكلام في موردين:

أما المورد الأول فالمستفاد من الجملة أن من يكون مالكا لعين كالدّار مثلا أو مالكا لمنفعة كمنفعة الدكان، مالك لأن يعترف بالنسبة الي تلك العين أو تلك المنفعة بأن يعترف بانتقالهما الي الغير بأحد الأسباب أو بما يكون من هذا القبيل.

و الوجه فيما نقول أن ظهور الألفاظ حجة ما دام لم يقم علي خلافه دليل، هذا من ناحية و من ناحية أخري أن الملكية لها معان:

منها الملكية الحقيقة التي يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية و هي الملكية المخصوصة بذاته تبارك و تعالي لا مؤثر في الوجود إلّا اللّه:

أزمّة الأمور طرّا بيده و الكلّ مستمدة من مدده

لِمَنِ الْمُلْكُ … لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ.

و منها الملكية العرضيّة المقولية التي تعبر عنها بمقولة الجدة و هي الواجدية كهيئة الراكب علي المركوب و هذه الملكية من الأعراض و من الأمور الواقعية.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 6

و منها الملكية الاعتبارية التي تكون من باب الاعتبار و لا واقع لها الّا الاعتبار.

و من الظاهر أنّ المراد من الملك في هذه الجملة ليس المعني الأول و لا الثاني بل المراد منها المعني الثالث.

و من الظاهر أيضا أن الملكية الاعتبارية بحسب المتفاهم العرفي عبارة عن ربط اعتباري بين الإنسان أو غيره و بين عين من الأعيان أو منفعة من المنافع و أما إذا لم يكن كذلك فالظاهر عدم صدق عنوان الملكية و لا المالكية و لا المملوكية.

مثلا إذا فرضنا أن زيدا مالك

لدار يقال: الدار الفلانية مملوكة لزيد و لكن لا يقال: زيد مالك لبيع الدار الفلانية كما أنه لا دليل من الخارج أن زيدا مالك لبيع الدار و قس عليه بقية الموارد.

و أما لفظ الإقرار فالمستفاد من التبادر و أهل العرف و اللغة أنه عبارة عن الاعتراف بشي ء و من الظاهر أنه أشرب في مفهوم الاعتراف أن متعلقه علي ضرر المعترف.

و علي هذا الأساس يستفاد من الجملة أن المالك للعين إذا أقرّ و اعترف بكون العين مملوكة للغير ينفذ إقراره و قد استعمل لفظ الملك في قولهم ملك الاقرار به مجازا إذ معني اللفظ معلوم و من ناحية أخري أصالة الحقيقة لا تكون أصلا تعبديا فالنتيجة أن المستفاد من الجملة أن المالك اعترافه نافذ بالنسبة الي مملوكه.

و لا يخفي أن الإقرار بماله من المفهوم العرفي عبارة عن الإخبار و لا يكون إنشاء فالحاصل:

أن المستفاد من الجملة بحسب المتفاهم العرفي أنّ المالك لشي ء إذا أخبر و أقرّ بالنسبة الي ذلك الشي ء يكون اخباره نافذا فلو أخبر بأن هذه العين انتقلت إلي غيري يكون اخباره نافذا و جائزا.

و أما المورد الثاني: فالمستفاد من كلمات القوم أن من يكون مسلطا علي أمر

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 7

كعقد أو إيقاع أو غيرهما أصالة أو نيابة أو وكالة أو ولاية إذا أقر بذلك الأمر يكون إقراره نافذا أعم من أن يكون ذلك الإقرار له أو عليه أو لا هذا و لا ذاك.

مثلا لو كان وكيلا لتزويج امرأة لنفسه و أخبر بالتزويج يقبل قوله و هكذا.

و لا يخفي أن استعمال لفظ الإقرار بحسب ما هو المصطلح عند القوم استعمال لفظ الإقرار بحسب ما هو المصطلح عند القوم استعمال اللفظ في غير

ما وضع له إذ الإقرار إخبار علي ما يكون ضررا علي المخبر و الحال أن الإقرار عند القوم أعم من ذلك أي ربما يكون إخبارا بماله نفع للمخبر كما لو كان وكيلا عن المرأة في تزويجها لنفسه فأخبر بالتزويج لنفسه و أيضا يكون استعمال الملك في غير ما وضع له إذ الإنسان مالك للعين مثلا و لا يكون مالكا لبيع العين.

الجهة الثانية: في أن هذه المسألة من المسائل الأصولية أو من القواعد الفقهية؟

و الحق أنها من الطائفة الثانية فإن المسألة الأصولية ما تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الكلي الفرعي الإلهي كمسألة مقدمة الواجب فإن نتيجة ذلك البحث التلازم بين وجوب ذي المقدمة و وجوب مقدمته فإن هذه الكبري تقع في طريق الاستنباط فنقول صلاة الظهر واجبة و لها مقدمات و تلك المقدمات مقدمات الواجب و كل واجب يستلزم وجوب مقدمته فتلك المقدمات واجبة.

و أما القاعدة الفقهية فهي بنفسها متكفلة لحكم فرعي للمصاديق التي تحت ذلك الكلي، و بعبارة أخري لا فرق بين قوله (الصلاة واجبة) و بين قوله: (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) غاية الأمر دائرة القاعدة الفقهية أوسع و أشمل و لذا نري قاعدة ضمان الصحيح و الفاسد تشمل البيع الفاسد و بقية العقود الفاسدة التي يوجب صحيحها الضمان.

الجهة الثالثة: في الفرق بين هذه المسألة و مسألة إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز

، و الاظهر أن الفارق بين المقامين أن مسألة إقرار العقلاء تختص بمورد اعتراف

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 8

المقر بما عليه و يتضرر به.

و أما في المقام فلا فرق بين كون الإقرار ضررا عليه أو لم يكن ضررا بل ربّما يكون نافعا و النسبة بين القاعدتين عموم من وجه فإنّ مادّة الاجتماع ما لو أخبر مالك العين بوقفها فإن الإخبار المذكور إقرار علي نفسه فيكون مصداقا لإقرار العقلاء علي أنفسهم و أيضا اخبار عن أمر يكون مسلطا عليه و مالكا له و هو الوقف.

و أما مادة الافتراق من ناحية قاعدة إقرار العقلاء ما لو اعترف بإتلاف مال الغير فإن الاعتراف المذكور اعتراف بما يكون ضررا عليه و لا يكون مسلطا علي الفعل المقرّ به اذ من الواضح أنه ليس لأحد إتلاف مال غيره.

و مادّة الافتراق من ناحية هذه القاعدة ما لو كان وكيلا عن المرأة

في تزويجها لنفسه فأخبر به فإنه إخبار بما يكون نافعا له و لا يكون إقرارا علي ما يكون ضررا عليه.

الجهة الرابعة: في الوجوه التي يمكن أن تذكر في تقريب المدعي

: الوجه الأول: ثبوت الملازمة بين السلطنة علي وجود الشي ء و ثبوته و بين السلطنة علي إثباته فإذا كان زيد مسلطا علي تزويج المرأة يكون مسلطا علي إثباته فلو أخبر به يكون إخباره نافذا.

و يرد عليه أولا بالنقض و ثانيا بالحل أما الأول فلو أخبر عن كون العين الفلانية التي لا تكون تحت يده مملوكة له بالإحياء يلزم أن يكون إخباره نافذا اذ له السلطنة علي تملكها بالإحياء.

و كذلك لو أخبر بكون العين الفلانية مملوكة له بالحيازة و هل يمكن الالتزام به؟

كلا.

و أيضا لو كان أجيرا في عمل كالصلاة مثلا ثم أخبر بأنّه صلي و برأت ذمته و لم

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 9

يكن ثقة يلزم قبول قوله لأنه مسلط علي الإتيان بها فيكون مسلطا علي إثباتها و الحال أنا نري الأصحاب يقولون إنما يقبل قوله إذا كان ثقة إلي غيرها من الموارد.

و أما الحل فلعدم دليل علي هذه الدعوي و إذا وصلت النوبة إلي الشك يكون مقتضي الأصل الأوّلي عدم الاعتبار فهذا الوجه ليس تحته شي ء.

الوجه الثاني: قاعدة: (إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز)، بتقريب أن المقام من صغريات تلك القاعدة.

و الجواب: أنه قد ظهر مما تقدم أن هذه القاعدة غير تلك القاعدة و لا ربط بين المقامين.

الوجه الثالث: الإجماع و ربما يرد في هذا الوجه أن اتفاق الأصحاب في مورد أو موارد لا يستلزم الإجماع علي الكلية فلا يمكن الحكم بهذه الكبري الكلية.

و يمكن أن يجاب عن الإيراد المذكور بأن المدعي- كما في كلام الشيخ قدّس سرّه- الإجماع علي القاعدة.

إن قلت: كيف يمكن

الإجماع علي الكلية و الاختلاف في بعض المصاديق و الحال أن السالبة الجزئية تناقض الموجبة الكلية؟

قلت: يمكن أن يكون الاختلاف في المصداق مسببا عن عدم انطباق ذلك الكلي علي هذا الفرد فلا يضرّ بالإجماع.

لكن هذا الوجه أيضا مخدوش لأن الإجماع المدعي إما محصل أو منقول أو يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام من باب أن اتفاق المرئوسين يكشف عن أن رأي الرئيس كذلك.

و بعبارة أخري الإجماع المدعي إما دليل بالأصالة في قبال بقية الأدلة الشرعية و إما بالعرض أي باعتبار كونه كاشفا عن رأي المعصوم أرواحنا فداه.

إما المحصل منه فغير حاصل و أما المنقول منه فغير حجة بل قد ثبت في محله أن

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 10

الإجماع المحصل غير حجة كالمنقول.

و أما كون الاتفاق كاشفا فيرد عليه أولا: أن الاتفاق محل الكلام و الإشكال و مع الشك فيه لا يحصل المطلوب.

و ثانيا: أنه كيف يمكن الحكم بكونه كاشفا مع احتمال استناد المجمعين الي وجه من الوجوه المذكور في المقام.

و إن شئت قلت: الاتفاق المذكور محتمل المدرك.

الوجه الرابع: السيرة العقلائية بل سيرة المتشرعة فإنّها جارية علي إنفاذ إخبار الأولياء و الوكلاء علي تحقق موارد ولايتهم و وكالتهم.

و الإنصاف أن الجزم بهذه السيرة في موارد الشك و عدم الوثوق بالخبر مشكل و إذا وصلت النوبة الي الشك يبطل الاستدلال كما هو ظاهر، مضافا الي أن هذا الوجه إن تمّ يكون أخصّ من المدعي إذ ربما يكون الشخص مالكا لأمر و لا يكون وكيلا و لا وليّا كما لو أخبر عن كون العين الفلانية مملوكة له بالحيازة و لكن الظاهر أن الوكيل في أمر أو الولي إذا أخبر بقيامه بمورد الوكالة أو الولاية يقبل قوله.

و

بعبارة أخري: يري العقلاء الوكيل و الولي مقام الموكل و المولّي عليه فكأن الموكل أو المولّي عليه يخبر عن الوقوع و لكن هذا المقدار لا يكفي لإثبات الكبري الكلية و صفوة القول أن القاعدة المدعاة تامة في الجملة لا بالجملة.

الوجه الخامس: النصوص الدالة علي قبول قول الأمين و الظاهر أن الوجه المذكور أوهن الوجوه بحيث لا يمكن تقريبه و مقتضي الدليل عدم كونه ضامنا الّا مع التعدي أو التفريط.

الجهة الخامسة: في أن هذه القاعدة علي تقدير تماميتها هل تختص بزمان

و ظرف يكون المخبر مالكا و مسلطا علي ذلك الأمر أو تعم حتي ما بعد انقضاء ذلك الزمان؟ فلو أخبر الولي بتزويج الصغيرة بعد بلوغها ينفذ إخباره علي القول بعدم

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 11

الاختصاص و لا ينفذ علي القول به.

ربما يقال: إن دليل القاعدة إذا كان هو الإجماع لا بد من القول بالاختصاص للزوم الاقتصار علي القدر المعلوم منه.

و بعبارة أخري: لا يكون فيه الإطلاق و لا مجال لإسراء الحكم الي ما بعد زوال ذلك الزمان بالاستصحاب لانتفاء الموضوع و تغيّره و اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب فإن الموضوع هو المالك و المفروض زوال العنوان، مضافا الي أن استصحاب الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

و يمكن أن يجاب عن التقريب المذكور بأن المدعي تحقق الإجماع علي العنوان أي قام الإجماع علي «جملة من ملك شيئا ملك الإقرار به».

و مقتضي الإطلاق عدم الفرق بين إقرار المالك في زمان كونه مالكا و بين زمان عدم كونه كذلك.

إلا أن يقال أن الحكم مترتب علي المالك و مع عدم كونه مالكا لا يكون الموضوع صادقا و مع عدم صدق الموضوع لا يترتب الحكم و الذي يهون الخطب أن القاعدة لا أصل لها فلاحظ.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية،

ص: 12

القاعدة الثانية قاعدة الإعانة علي الإثم

اشارة

و من القواعد المذكورة «قاعدة الإعانة علي الإثم» و يتكلّم فيها من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في تفسير هذه الكلمة و بيان ما يستفاد منها

. قال في المنجد: أعانه علي الشي ء ساعده.

و الظاهر أن معني اللفظ واضح ظاهر و هل يشترط في صدق الإعانة أن يكون المعين ذا شعور و علي فرض الاشتراط المذكور هل يشترط أن يكون بداعي تحقق المعان عليه أم لا؟

الحق هو الثاني و يتضح المدعي بموارد الاستعمالات لاحظ قول القائل:

(أعانتني هذه العصا علي المشي)، و لاحظ قوله تعالي: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلٰاةِ* و قوله عليه السّلام: (و أعانني عليها شقوتي)، و قوله: (من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه) إلي بقية الموارد.

و من الظاهر أن صحة الاستعمال بلا عناية و صحة الحمل علامة الحقيقة كما أن عدم صحة السلب علامة الحقيقة أيضا و العرف ببابك.

و هل يشترط في صحة الاستعمال و تحقق الإعانة حصول المعان عليه أم لا؟

الحق هو الثاني لاحظ قول القائل: (أعان جمع علي أن يمشي زيد الي الحج و الزيارة لكن زيد لم يمش) فإن الإعانة تصدق بما لها من المفهوم فلا يشترط صدق العنوان علي تحقق المعان عليه.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 13

الجهة الثانية: في حكم الإعانة علي الإثم و ما يمكن أن يذكر في مستند القول بحرمتها وجوه

: الوجه الأول: قوله تعالي: وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ «1».

بتقريب أن المستفاد من الآية الشريفة النهي عن الإعانة علي الإثم.

و يرد عليه أن التعاون غير الإعانة و هذا العرف ببابك و المنهي عنه في الآية هو الأول لا الثاني.

الوجه الثاني: النصوص، منها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أعان علي مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه «2».

و فيه أولا: أن السند مخدوش فإن عنوان غير واحد لا يستلزم التواتر بل أعم منه.

و ثانيا: أن الحكم المذكور وارد في إطار خاص و دائرة مخصوصة و

لا وجه لإسرائه الي غيره من الموارد.

و إن شئت فقل: لا وجه للقياس بين مورد الحديث و بقية الموارد.

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه «3».

و فيه أولا: أن السند مخدوش و ثانيا: أن الحديث وارد في واقعة خاصة و لا مجال لإسراء الحكم إلي غير مورده بلا دليل و إلّا يلزم التشريع.

و منها الأحاديث الواردة في أعوان الظلمة.

لاحظ ما رواه أبو حمزة عن علي بن الحسين عليه السّلام في حديث قال: إيّاكم

______________________________

(1) المائدة: 3.

(2) الوسائل: الباب 2 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

(3) فروع الكافي: ج 6 ص 266، الحديث 8.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 14

و صحبة العاصين و معونة الظالمين «1» إلي غيره من الروايات.

و فيه أنّها واردة في إعانة خاصة و لا دليل علي عموم الحكم.

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في الخمر عشرة: غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و حاملها و المحمولة إليه و بائعها و مشتريها و آكل ثمنها «2».

بتقريب أن المستفاد من الحديث أن الإعانة علي الإثم حرام و لذا قد استحق اللعن الجماعة المشار إليهم في الرواية لكونهم أعوانا عليه.

و فيه أولا: الإشكال في السند و ثانيا: أن الموجبة الجزئية لا تكون دليلا علي الكلية و من الظاهر أن الجزم بالحكم الشرعي يتوقف علي الدليل، و مما ذكرنا يظهر الإشكال فيما يكون متحدا مع هذه الرواية في المفاد.

الوجه الثالث: إن رفع المنكر واجب لوجوب النهي

عن المنكر.

و فيه أولا: أن لازمه وجوب الترك لا حرمة الفعل.

و ثانيا: أنّه لا دليل علي وجوب دفع المنكر و ملاكات الأحكام الشرعية لا تنالها عقولنا.

الوجه الرابع: الإجماع المنقول، و فيه أن الإجماع المنقول غير حجة بل المحصل منه كذلك و أما الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام فلا يمكن تحصيله إذ علي فرض تحققه محتمل المدرك.

الوجه الخامس: حكم العقل، بتقريب: أن العقل حاكم بقبح المعصية لكونها مبغوضة للمولي و حيث أن الإثم مبغوض للمولي فالمعين للآثم مبغوض عمله و يلزم بحكم العقل تركه.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 55 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 15

و يرد عليه: أن العقل إنما يحكم و يدرك لزوم الإطاعة دفعا للضرر المحتمل و أما كون شي ء مبغوضا للمولي فلا يكون الزام من قبل العقل بتركه ما دام لم يتعلق به نهي من قبل الناهي.

مضافا إلي أن كون شي ء مبغوضا لا يستلزم مبغوضية مقدماته و قد حقق في الأصول عدم كون مقدمة الحرام حراما و هذا الوجه أوهن الوجوه المذكورة في المقام و لا يرجع الي محصل.

فانقدح بما ذكرنا عدم قيام دليل علي المدّعي و يضاف الي ذلك كله أن هناك نصوص تدل علي جواز الإعانة منها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن بيع العصير فيصير خمرا قبل أن يقبض الثمن فقال:

لو باع ثمرته ممن يعلم أنه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس فأما إذا كان عصيرا فلا يباع الّا بالنقد «1».

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ثمن

العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا قال: إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس «2» و منها ما رواه محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراما فقال: لا بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما فأبعده اللّه و أسحقه «3».

و منها ما رواه عمر بن أذينة قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو سكرا، فقال: إنما باعه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر: الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 16

حلالا في الابان الذي يحل شربه أو أكله فلا بأس ببيعه «1».

و منها ما رواه أبو كهمس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العصير فقال: لي كرم و أنا أعصره كل سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي قال: لا بأس به و إن غلا فلا يحل بيعه «2».

و منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن بيع العصير ممّن يخمره، قال: حلال ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا «3».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن بيع العصير ممّن يصنعه خمرا فقال:

بعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إليّ و لا أري بالأول بأسا «4».

و منها ما رواه يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله رجل و أنا حاضر قال: إن لي الكرم قال: تبيعه

عنبا قال فإنه يشتريه من يجعله خمرا قال:

فبعه إذا عصيرا قال فإنه يشتريه مني عصيرا فيجعله خمرا في قربتي قال: بعته حلالا فجعله حراما فأبعده اللّه ثم سكت هنيهة ثم قال:

لا تذرن ثمنه عليه حتي يصير خمرا فتكون تأخذ ثمن الخمر «5».

و يضاف إلي جميع ما ذكر أن الإعانة علي الاثم لو كانت حراما لكان سقي الناصب حراما لأن الماء ينفعل بملاقاة شفته فيكون شرب الماء حراما عليه فإن الكافر مكلف بالفروع كما يكون مكلفا بالأصول علي ما حقّقناه.

______________________________

(1) نفس المصدر: الحديث 5.

(2) نفس المصدر: الحديث 6.

(3) نفس المصدر: الحديث 8.

(4) نفس المصدر: الحديث 9.

(5) نفس المصدر: الحديث 10.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 17

ثم إنه علي القول بالحرمة هل يكون إعانة المكلف علي الإثم الذي يصدر عن نفسه حراما أم لا؟

الظاهر هو الثاني فإن الظاهر من الجملة المذكورة أن المعين غير المعان.

مضافا الي أن القول بالتعميم يستلزم القول بحرمة مقدمة الحرام و قد حقق في محله أنّ مقدمة الحرام لا تكون حراما.

أضف إلي ذلك: أن القول بالتعميم يستلزم القول بأنّه لو كان عشرون مقدمة يكون المرتكب لذلك الحرام معاقبا بعدد تلك المقدمات و هل يمكن الالتزام به؟

ثم إنه لو لم نقل بالحرمة- كما لا نقول- فهل يستحق العقاب من يكون معينا إذا كان قاصدا لتحقق ذلك الحرام أي يعينه لأن يشرب الخمر و يكون تحقق الحرام غاية للإعانة؟

الظاهر أنه لا دليل علي الحرمة في هذه الصورة أيضا نعم إذا كان الغرض من الإعانة هتك مقام المولي- نستجير باللّه- الظاهر عدم إمكان التشكيك في الحرمة بل لو ادعي أحد أنه يوجب عنوان النصب و صيرورة المعين ناصبيا و يصير بذلك أنجس من الكلب و الخنزير

لعله لا يكون مجازفا في القول.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 18

القاعدة الثالثة قاعدتا الفراغ و التجاوز

اشارة

يقع الكلام في المقام من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في أنهما قاعدتان

إذ تارة يكون مورد الشك مفروض الوجود غاية الأمر يشك في صحته و فساده كما لو فرغ من الصلاة و شك في أنها صحيحة أو فاسدة و أخري يشك في أصل الوجود كما لو شك في أنه ركع أم لا أو سجد أم لا إلي غير ذلك من الموارد فإن كان الشك في صحة الموجود يكون مورد قاعدة الفراغ و إن كان الشك في أصل الوجود يكون مورد قاعدة التجاوز.

الجهة الثانية: إنه ربما يقال مورد قاعدة التجاوز الشك في مفاد كان التّامة و مورد قاعدة الفراغ الشك في مفاد كان النّاقصة

و لا يمكن الجمع بين الأمرين في استعمال واحد و لا يرتفع الإشكال باستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معني واحد إذ مرجعه إلي التعدد و الكلام في الاستعمال الواحد.

و ربما يذبّ الإشكال بأن الجامع بين الأمرين الحكم بالوجود الصحيح.

و أورد عليه بأنه يستلزم القول باعتبار المثبت الذي لا نقول به.

و أجيب عن الإشكال المذكور: بأن القاعدة من الأمارات و لوازم الأمارة تثبت و بعبارة واضحة: إنه تارة يشكّ في صحّة الركوع- مثلا- و اخري في أصل و جوده و القاعدة تحكم بتحقّق الوجود الصحيح و لازمه تحقق الرّكوع و حيث أن لازم الإمارة حجة يثبت أن الركوع تحقق.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 19

و لقائل أن يقول يمكن أن يتكفل دليل واحد لبيان حكم كلتا القاعدتين أما علي القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معني فارد فواضح و ظاهر و أمّا إرادة الجامع بين الأمرين فالظاهر إمكانه في مقام الثبوت و التصوّر و ذلك بأنّ المولي يلاحظ كلا الموردين و يري المصلحة في اعتبار الصحة فيقول إذا شككت في شي ء أعم من أن يكون الشك في صحة الموجود أو الشك في أصل الوجود فابن عليه و لا إشكال فيه أصلا.

و لعمري أن

هذا أوضح من أن يخفي فتحصل ممّا تقدم أمران: أحدهما أن قاعدة التجاوز غير قاعدة الفراغ، ثانيهما أنه يمكن تصوير الجامع بين القاعدتين في مقام الثبوت و التصور.

الجهة الثالثة: في بيان الأدلة التي تدل علي الاعتبار

و العمدة النصوص الواردة في هذا المجال بل الدليل منحصر فيها إذ السيرة و الإجماع علي فرض تسلمهما لا تكونان دليلين في قبال النصوص.

و بعبارة أخري: النصوص منشأ الإجماع و السيرة فلا بدّ من ملاحظة كل واحد من هذه النصوص و مقدار دلالته بعد تمامية سنده.

فنقول: من تلك النصوص ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الأذان و قد دخل في الاقامة قال: يمضي قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبّر قال: يمضي قلت: رجل شك في التكبير و قد قرأ قال:

يمضي قلت: شك في القراءة و قد ركع قال: يمضي قلت: شك في الركوع و قد سجد قال: يمضي علي صلاته ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23 من أبواب الخلل، الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 20

و هذه الرواية تامة سندا و أما من حيث الدلالة فهل تكون دليلا علي قاعدة التجاوز أو ناظرة الي قاعدة الفراغ أو ناظرة الي كلتا القاعدتين؟

الظاهر أنها ناظرة الي قاعدة الفراغ إذ الميزان في استفادة المراد من الكلام ما يكون ضابطا كليا و نري أنه عليه السّلام بعد جواب أسئلة السائل أعطي في الذيل ميزانا كليّا و حكما عاما بقوله: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء».

و من الواضح أن الخروج من الشي ء يتوقف علي تحققه و حصوله فلا يشمل الشك

في أصل الوجود و حمل كلامه علي الخروج عن المحل خلاف صريح كلامه روحي فداه لا يصار إليه.

إن قلت: الخروج عن الشي ء لا يجتمع مع الشك فيه قلت: إذا كان الشك في صحّة ما خرج منه، يصدق الخروج مع الشك فيه.

و صفوة القول: إن الميزان بذيل كلامه حيث إنّه عليه السّلام تصدّي من تلقاء نفسه بلا سبق سؤال لإعطاء قاعدة كلية تجري في جميع الموارد فلا بد من الأخذ و إن أبيت و قلت: الصدر يشمل الشك في أصل الوجود و في صحة الموجود.

قلت: الذيل بصراحته في إرادة قاعدة الفراغ يقيد الصدر.

إن قلت: الظاهر من الصدر الشك في أصل الوجود فيقع التعارض بين الصدر و الذيل و لا وجه لتقديم الذيل علي الصدر.

قلت: أولا: مقتضي الإطلاق شمول الصدر لكلا الأمرين.

و ثانيا: لا بد من رفع اليد عن ظهور الصدر في الشك في أصل الوجود علي فرض تسليمه و هذا العرف ببابك فإن للمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء من اللواحق ما دام متشاغلا بالكلام و يري العرف أنّ الميزان بحسب سوق الكلام بالذيل.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 21

و ثالثا: أنّ إرادة المحل من الشي ء و تقديره يستلزم الاستخدام إذ عليه يكون المراد من الشي ء محله و يكون المراد من الضمير العائد إليه نفسه و الاستخدام علي خلاف الأصل.

إلّا أن يقال: يكون الصدر قرينة علي كون المراد من الذيل خصوص قاعدة التجاوز فلا يستلزم الاستخدام.

و رابعا: ان استعمال لفظ الشي ء في محله غلط كما لو قال أحد: خرجت من دار زيد و أراد الأرض التي كانت في زمان أرض داره و بعد ذلك انهدمت و بقيت الأرض فلاحظ.

و خامسا: سلمنا ما رامه الخصم لكن نقول:

غاية ما في الباب وقوع المعارضة بين الصدر و الذيل و تكون النتيجة الاجمال فلا يكون الحديث قابلا للاستدلال به علي قاعدة التجاوز.

و العجب كل العجب عمّا جاء في بعض الكلمات من أن الخروج عن الشي ء له مصداقان: أحدهما: الخروج عن نفس الشي ء ثانيهما: الخروج عن محله و لهما الجامع و بهذا الاعتبار الحديث و ما يكون مثله يكون دالا علي كلتا القاعدتين.

وجه العجب أن المستفاد من قوله عليه السّلام: «إذا خرجت من شي ء و دخلت في غيره» لزوم تحقق المشكوك فيه و كون الشاكّ فيه قبل ذلك.

و إن شئت فقل: لا جامع بين ما فرض وجوده و ما لا وجود له.

إن قلت: إذا كان صدر الحديث ظاهرا في الشك في أصل الوجود نرفع اليد عن ظهور الذيل في الشك في صحة الموجود فإن الكلي الوارد في الذيل ناظر الي الجمع بين الصدر و بقية الموارد فيكون الحديث ناظرا إلي قاعدة التجاوز فيكون المراد من الشي ء الوارد في كلام الإمام عليه السّلام محله فالنتيجة اختصاص الحديث بقاعدة التجاوز.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 22

قلت: تارة نقول استعمال اللفظ في غير ما وضع له صحيح و لا يحتاج الي مناسبة و علاقة و حسن و أخري نقول لو لا العلاقة و التناسب أو الحسن يكون الاستعمال غلطا أما علي الأول فيجوز استعمال لفظ الشي ء في مورده و محله و أما علي الثاني فلا يجوز و يكون غلطا و لا يمكن حمل كلام الإمام عليه السّلام عليه إذ كيف يمكن الالتزام بكون استعماله غلطا و الحال أنّ الاستعمال الغلط إما ناش عن الجهل و إما عن الغفلة و هل يمكن الالتزام بأحدهما بالنسبة الي مخزن الوحي؟ كلا

ثم كلا.

هذا من ناحية و من ناحية اخري: أنه لا يجوز استعمال اللفظ في غير ما وضع له الّا مع المجوز و هذا العرف ببابك مثلا: لو كان مكان قبل عشر سنوات مكانا للبحر و الآن غرفة تجارة هل يجوز أن يقول أحد إني خرجت من البحر و أراد الخروج من تلك الغرفة و عليه يدور الأمر بين الصدر و الذيل و النتيجة الإجمال كما تقدم.

و لنا لإثبات أنّ الذيل ناظر الي قاعدة الفراغ و لا مجال لحمله علي بيان قاعدة التجاوز تقريب آخر و هو: أن حمله علي قاعدة التجاوز يستلزم الاستخدام الذي يكون خلاف القاعدة الأولية إذ بناء علي إرادة التجاوز إما نقدر كلمة محل و نضيفه الي لفظ الشي ء و إما نستعمل لفظ الشي ء في المحل و علي كلا التقديرين يلزم الاستخدام أما علي الأول فظاهر إذ عليه يراد من المخرج، المحل و يراد من الضمير العائد، الشي ء إذا خرجت من محل الأذان مثلا و دخلت في غير الأذان و أما علي الثاني: فأيضا الأمر كذلك إذ مرجع الكلام الي الصورة الأولي لأنه لا بد من إضافة المحلّ إلي حاله كما أنّه لا بدّ من إرجاع الضمير الي الحالّ أي الشي ء المشكوك فيه.

أضف إلي ذلك، إن الذيل صريح في قاعدة الفراغ و غير قابل لحمله علي التجاوز و ذلك لأن الإمام روحي فداه بعد فرض خروج المكلف عن الشي ء يقول:

«ثم دخلت في غيره» فقد فرض عليه السّلام الخروج عن الشي ء أولا ثم دخوله في غيره ثانيا و الحال أن التجاوز قوامه بالدخول في الغير و بدونه لا يعقل فلا مجال لتقريب

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 23

التجاوز و لعمري ما بينت غير

قابل للخدش و لعله لم يسبقني إليه سابق.

و من تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كلّما شككت فيه ممّا قد مضي فأمضه كما هو «1» و هذه الرواية تدل بوضوح علي اعتبار قاعدة الفراغ إذ قد فرض في الحديث مضي المشكوك فيه حيث قال: «كلّما شككت فيه ممّا قد مضي».

و من الظاهر أنه مع الشك في أصل الوجود لا يعقل مضيّ المشكوك فيه و هذا العرف ببابك.

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا كنت قاعدا علي وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و علي جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله و تمسحه ممّا سمّي اللّه ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت عن الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخري في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّي اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه و علي ظهر قدميك فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك و أمض في صلاتك و إن تيقّنت أنّك لم تتم وضوئك فأعد علي ما تركت يقينا حتي تأتي علي الوضوء … الحديث «2».

و هذه الرواية تدل علي اعتبار قاعدة الفراغ في باب الوضوء.

و منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء إنّما الشك إذا كنت

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23 من أبواب الخلل، الحديث 3.

(2) الوسائل: لا باب 42 من أبواب

الوضوء، الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 24

في شي ء لم تجزه «1».

و المستفاد من ذيل الرواية بيان الضابط الكلي لاعتبار قاعدة الفراغ و أنّ المكلّف إذا شك في تمامية شي ء بعد التجاوز عنه و الدخول في غيره لا يعتدّ بشكه.

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة، قال: يمضي علي صلاته و لا يعيد «2».

و هذه الرواية تدل علي جريان قاعدة الفراغ في الصلاة بعد الفراغ منها من ناحية الشك في الوضوء.

و منها ما رواه إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال: إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شي ء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه «3».

و المستفاد من هذه الرواية اعتبار قاعدة التجاوز بشرط الدخول في غير ما شك فيه.

و بعبارة أخري: إذا قلنا أن ظاهر قوله عليه السّلام: (إن شك في الركوع بعد ما سجد) الشك في أصل الركوع كما هو ليس ببعيد تكون الرواية في مقام اعتبار القاعدة في مورد الشك في أصل الوجود لا الشك في صحة الموجود و لا الجامع بين الأمرين لكن السند مخدوش لاحتمال كون المراد من محمد الراوي عن ابن المغيرة البرقي و هو مخدوش عندنا. لكن قد رجعنا عن المقالة المشار إليها و قلنا أنه ثقة حسب الصناعة نعم هنا اشكال في اصل الدلالة كما تعرضنا له بالنسبة الي حديث زرارة و هو أن التجاوز عن محل الشي ء لا يتحقق الا بالدخول في الغير و الحال ان المستفاد

______________________________

(1) نفس

المصدر: الحديث 2.

(2) نفس المصدر: الحديث 5.

(3) الوسائل: الباب 15 من أبواب السجود، الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 25

من الحديث انّ مع التجاوز تارة دخل في الغير و اخري لا فلا بد من حمل الحديث علي قاعدة الفراغ.

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال: فقال: لا يعيد و لا شي ء عليه «1».

و أيضا ما رواه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد «2».

و المستفاد من الحديثين جريان قاعدة الفراغ في الصلاة بعد الفراغ منها.

و في المقام عدة نصوص واردة في الشك في الركوع:

منها ما رواه حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشك و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا، قال: امض «3».

و منها ما رواه أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشك و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا فقال: قد ركعت امضه «4».

و منها ما رواه الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: بلي قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان «5».

و منها ما رواه إسماعيل بن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شي ء شك

______________________________

(1) الوسائل: الباب 27 من أبواب الخلل، الحديث 1.

(2) نفس المصدر: الحديث 2.

(3) الوسائل: الباب 13 من أبواب الركوع، الحديث 1.

(4) نفس المصدر: الحديث 2.

(5) نفس المصدر: الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد

الفقهية، ص: 26

فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع؟ قال: يمضي في صلاته «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أهوي الي السجود فلم يدر أ ركع أم لم يركع، قال: قد ركع «3».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع فقال: يمضي في صلاته حتي يستيقن … الحديث «4».

و هذه الروايات تدل علي جريان قاعدة التجاوز في الشك في الركوع و لا تدل علي اعتبارها علي نحو الإطلاق نعم الحديث الثالث من الباب قد ذيّل بقوله عليه السّلام:

(فإنما ذلك من الشيطان) و لقائل أن يقول: إن مقتضي عموم العلة سريان الحكم الي بقية الموارد.

و يرد عليه أنه عليه السّلام علل حكمه بالصحة بقوله: (فإنما ذلك من الشيطان) فيعلم أنه روحي فداه ناظر الي صورة كثرة الشك الناشئة عن الْوَسْوٰاسِ الْخَنّٰاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّٰاسِ فلا تشمل الرواية الشك العادي الذي يعرض للمصلي بحسب الطبع فلا يكون الحديث قابلا للاستدلال به علي المدعي.

فتحصل مما ذكرنا أنه لا دليل علي قاعدة التجاوز علي نحو العموم أو الإطلاق، نعم بالنسبة الي الشك في الركوع قد تمّ الدليل علي تمامية القاعدة و قد أشرنا الي النصوص الدالة عليه.

______________________________

(1) نفس المصدر: الحديث 4.

(2) نفس المصدر: الحديث 5.

(3) نفس المصدر: الحديث 6.

(4) نفس المصدر: الحديث 7.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 27

و أما بالنسبة الي السجود ففي المقام حديثان يدلان

علي عدم الاعتبار بالشك في السجود بعد ما قام أحدهما ما رواه إسماعيل بن جابر «1».

و ثانيهما ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض «2». لكن تقدم الكلام فيه.

الجهة الرابعة: في أنّه هل يشترط في جريان قاعدة الفراغ الدخول في الغير

اشارة

أم لا؟ و علي الأول هل يعتبر أن يكون ذلك الغير مترتبا أم لا؟ و علي الأول هل يعتبر أن يكون ترتبه شرعيا أم يكفي مطلق الترتب؟

فهنا موارد من البحث:

المورد الأول: أنه هل يشترط في جريان القاعدة الدخول في الغير؟ الأدلة بالنسبة الي هذه الجهة متعارضة فإنّ ذيل حديث زرارة «3» و هو قوله عليه السّلام:

«يا زرارة إذا خرجت من شي ء»، إلي آخر كلامه يدلّ علي توقف جريانها علي الدخول في الغير و يعارضه حديث ابن مسلم «4».

فإن مقتضي هذه الرواية كفاية مضيّ الشي ء في جريان القاعدة فيقع التعارض بين منطوق حديث ابن مسلم و مفهوم حديث زرارة و النسبة بين الحديثين عموم من وجه فإن ما به الافتراق من ناحية حديث زرارة ما لو لم يخرج عن الشي ء فإن مقتضاه عدم جريان القاعدة و لا يعارضه حديث ابن مسلم إذ المفروض عدم المضيّ.

و ما به الافتراق من ناحية حديث ابن مسلم ما لو مضي و دخل في الغير فإن

______________________________

(1) لاحظ ص 24.

(2) الوسائل: الباب 15 من أبواب السجود، الحديث 5.

(3) لاحظ ص 19.

(4) لاحظ ص 23.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 28

مفهوم حديث زرارة لا يعارضه.

و ما به الاجتماع ما لو مضي و لكن لم يدخل في شي ء آخر فإن مقتضي حديث زرارة عدم جريان القاعدة و مقتضي حديث ابن مسلم الجريان.

فربّما يقال: بتقديم حديث ابن مسلم علي حديث زرارة بدعوي

أن العموم الوضعي قابل لأن يكون قرينة علي التصرف في العام الإطلاقي إذ الإطلاق معلّق حدوثا و بقاء علي عدم قيام قرينة علي خلافه.

و إن شئت فقل: إن ظهور العموم الإطلاقي تعليقي و ظهور العام الوضعي تنجيزي فطبعا لا يبقي مجال للتعليقي مع وجود التنجيزي لارتفاع موضوعه.

و هذا كلام شعري و لا أصل له فإنه لا فرق بين الأمرين و الميزان في تحقق الإطلاق تمامية مقدمات الحكمة في أول الأمر نعم إذا قامت قرينة منفصلة ترفع اليد عن الظهور بلا فرق بين الإطلاق و العموم.

إن قلت: العموم الوضعي أقوي دلالة فلا بدّ من تقديمه.

قلت: هذه الدعوي كالدعوي الأولي ليس تحتها شي ء و لم يرد في هذا الباب آية و لا رواية فإن الميزان في التقديم كون أحد الدليلين قرينة علي الآخر في المتفاهم العرفي و لذا نري تقديم قوله (يرمي) علي قوله: (رأيت أسدا) مع أن ظهور الأسد في الحيوان المفترس وضعي و ظهور لفظ يرمي في الرمي بالنبال إطلاقي فالحاصل تحقق التعارض.

و ربما يقال: إن نتيجة التعارض إذا كان علي نحو التباين الجزئي كما في المقام سقوط كلا الدليلين.

و هذه الدعوي أيضا غير تامة فلنا دعويان:

الأولي: عدم الفرق بين الوضع و الإطلاق.

الثانية: أنّ التباين الجزئي كالكلي داخل في المتعارضين فلا بد من إعمال قوانين

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 29

باب التعادل و الترجيح و قد بنينا في ذلك الباب علي أن المرجح الوحيد في باب الترجيح الأحدثية و حيث إن حديث زرارة أحدث حيث أنه صادر عن الصادق عليه السّلام و حديث ابن مسلم صادر عن أبي جعفر عليه السّلام يقدّم حديث زرارة علي حديث ابن مسلم و مثل حديث ابن مسلم في الدلالة

حديث ابن أبي يعفور «1».

فإن المستفاد من ذيل الحديث أن الميزان في جريان القاعدة صدق التجاوز عن مورد الشك و مقتضي الإطلاق عدم اعتبار الدخول في الغير فيقع التعارض بين الحديثين في مورد الاجتماع و حيث إنّ الأحدث غير معلوم يدخل المقام في كبري اشتباه الحجّة بغيرها فتصل النوبة الي الأصل العملي و مقتضي القاعدة، الاشتراط إذ مقتضي الاستصحاب عدم الإتيان و لا دليل علي الإجزاء إلّا بعد الدخول في الغير بل مقتضي الأصل عدم جعل الاعتبار الّا فيما يتحقق الدخول في الغير فالنتيجة اشتراط الدخول في الغير.

المورد الثاني: أنّه هل يشترط الترتب في المدخول فيه علي المخرج عنه؟

الظاهر عدم الدليل علي اعتبار الترتيب.

المورد الثالث: أنه هل يشترط علي تقدير الترتب بكونه شرعيا؟ الظاهر عدم الاعتبار كل ذلك لعدم الدليل.

و في المقام فروع:
الفرع الأول: أنّه لو شك في أثناء الوضوء في تحقق بعض الأجزاء

كما لو كان مشتغلا بغسل يده و شك في غسل وجهه و عدمه لا تجري لا قاعدة التجاوز و لا قاعدة الفراغ أما الاولي فلعدم دليل عليها و أما الثانية فلعدم تحقق الموضوع إذ المفروض أن الشك في أصل الوجود مضافا الي حديث زرارة «2» فإنه يدل

______________________________

(1) لاحظ ص 23.

(2) لاحظ ص 23.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 30

بالصراحة علي عدم جريان قاعدة التجاوز أثناء الوضوء و أما لو شك في صحة بعض أجزائه و فساده فالظاهر عدم مانع عن جريان قاعدة الفراغ فإن حديث ابن مسلم بعمومه الوضعي يدل علي الجريان فالمقتضي للجريان موجود و المانع مفقود فلاحظ.

الفرع الثاني: مقتضي عموم بعض النصوص و إطلاق بعضها الآخر جريان قاعدة الفراغ في جميع الموارد

بلا خصوصيّة للصلاة و لا للوضوء، إذ الميزان بعموم الجواب أو إطلاقه لا بخصوص مورد السؤال.

و هل تختص بالعبادات أو تعم التوصليات و هل تعم الأمور الوضعية أو تختص بالتكليفيات؟

الظاهر أنه لا وجه للاختصاص لاحظ حديث زرارة «1».

فلو طلق زوجته و بعد الفراغ عن الصيغة شك في أدائها صحيحة أو باطلة و كان داخلا في الغير تجري القاعدة بلا محذور.

الفرع الثالث: أنه لو شك في الإتيان بجزء من أجزاء المركب فتارة يكون محلّ التدارك باقيا و اخري لا

، أما علي الأول فيجب التدارك إذ مقتضي الاستصحاب عدم الإتيان به و لا دليل علي قاعدة التجاوز.

و أما علي الثاني فتارة نقول بجريان قاعدة لا تعاد في الأثناء و أخري نقول بعدمه أما علي الأول فلو كان الشك في الأثناء تكون الصلاة صحيحة و أما إذا كان الشك بعد الصلاة فالأمر أوضح.

و أما علي الثاني فلا بدّ من التفصيل بأن نقول: إن كان الشك في الأثناء تكون الصلاة باطلة و إن كان بعدها تكون صحيحة.

______________________________

(1) لاحظ ص 19.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 31

إن قلت: لازم هذا الكلام أن المصلي لو دخل في العصر و شكّ في أنّه هل أتي بالركوع في صلاة الظهر أم لا؟ يحكم ببطلان الظهر إذ مقتضي الاستصحاب عدم الإتيان به و من ناحية أخري لا يمكن التدارك و من ناحية ثالثة قاعدة لا تعاد لا تشمل الأركان و من ناحية رابعة لا دليل علي قاعدة التجاوز.

قلت: بعد الفراغ عن الظهر لو شك في ركوعها يكون من مرجع الشك في صحة ما فرغ منه و مقتضي قاعدة الفراغ الحكم بالصحة.

مضافا الي النص الخاص الوارد في الحكم بالصحة بعد الفراغ من الصلاة.

إن قلت: علي هذا يلزم أنه لو كان المصلي في الركعة الرابعة من صلاة الظهر مثلا لو شك في ركوع

الركعة الأولي لا بد من الحكم بالصحة لقاعدة الفراغ إذ المفروض أنه فرغ عن الركعة الأولي.

قلت: الركعة الأولي جزء من المركب و ليس كل جزء من المركب الواجب واجبا بوجوب في قبال بقية الأجزاء بل للمركب بما هو مركب أمر واحد و وجوب فارد فلو شك في ركوع الركعة الأولي يكون مقتضي الاستصحاب عدم الإتيان به إذ المفروض عدم الدليل علي قاعدة التجاوز.

و أما قاعدة الفراغ فلا موضوع لها إذ المفروض أن الشك في أصل الوجود و أما الركعة الأولي بما هي فلا تكون واجبة كي يقال انطباق المأمور به علي المأتي به يكون منشأ للصحة فلاحظ.

الجهة الخامسة: في أن القاعدة من الأمارات أو من الأصول؟

و الكلام يقع في هذه الجهة تارة في الآثار المترتبة علي القولين و أخري في الدليل علي كونها أمارة فيقع الكلام في موضعين:

الموضع الأول: في بيان الآثار المترتبة.

الأثر الأول: تقدم القاعدة علي الاستصحاب فإنه لو كانت القاعدة من

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 32

الأمارات تكون متقدمة علي الاستصحاب كتقدم بقية الإمارات عليه.

و يرد عليه أن القاعدة تتقدم علي الاستصحاب و لو علي القول بكونها من الأصول إذ لو كان الاستصحاب مقدما عليها فما فائدة جعلها و اعتبارها فإن الاستصحاب دائما ينافي مفاد القاعدة إلّا في أقل قليل جدا.

كما أن البينة مقدمة علي القاعدة و لو قلنا بكونها من الأمارات فلو شك المكلف في صحة الحمد و قد دخل في السورة و قامت البينة علي عدم صحة الحمد لا بدّ من الإعادة و لا تجري القاعدة.

و الوجه فيه أن المأخوذ في مورد القاعدة الشك، لقوله عليه السّلام: (يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء).

و أما البينة فتلغي الشك و يعتبر من قامت عنده

عالما و من الظاهر أنّه لا يبقي مجال لحكم الشاك.

و إن شئت فقل: إن دليل البيّنة حاكم علي دليل القاعدة.

و أما إذا قامت شهادة عدل واحد أو ثقة واحد في مقابل القاعدة فهل يقع التعارض بين الطرفين أو تقدم القاعدة أو يقدم قول العدل أو الثقة.

لا يبعد أن يكون التقدم لقول العدل أو الثقة بعين التقريب المتقدم.

و صفوة القول: أن القاعدة بيان حكم المكلف عند الشك و مع قيام الدليل علي إزالة الشك لا يبقي مجال للقاعدة.

الأثر الثاني: أنه لو كانت القاعدة من الأمارات تترتب عليها اللوازم العقلية فلو كان المكلف محدثا ثم شكّ في الطهارة ثمّ صلّي صلاة الظهر مثلا و بعد الصلاة شك في الطهارة تجري القاعدة بالنسبة الي صلاته و يحكم بصحتها.

فلو كانت القاعدة أمارة يحكم بتحقق الطهارة و لا حاجة الي تجديدها بالنسبة الي الصلوات الآتية و أما علي تقدير كونها من الأصول فلا.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 33

و يرد عليه: أنه لا فرق من هذه الجهة بين القولين إذ لا دليل علي ترتب اللوازم العقلية علي الأمارة و إنما قلنا به في لوازم الإخبار من باب السيرة العقلائية كما هو مقتضي الإقرار أو من باب أن الإخبار بالملزوم إخبار باللازم فاعتبار حجية الخبر مرجعه الي اعتبار إخباره بالنسبة الي اللوازم أيضا.

الأثر الثالث: أنه علي القول بكونها أمارة يستلزم اعتبار الأذكريّة في الجريان و مع العلم بالغفلة لا تجري.

و يرد عليه: ان الميزان بإطلاق الدليل فلو تم الإطلاق نأخذ به و لو مع العلم بكون المكلف غافلا حال العمل.

و أما الموضع الثاني: فما يمكن أن يستدل به علي كونها أمارة و علي اشتراط احتمال كون المكلف محتملا لكونه ذاكرا حين

العمل طائفة من النصوص.

منها ما رواه بكير بن أبي أعين، قال: قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال:

هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا ببكير إذ أنّه لم يوثق.

و مجرد قول الإمام عليه السّلام حين وصول خبر وفاته إليه: (أنزله اللّه بين رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام)، لا يدل علي أنه كان ثقة و كان عادلا بل فوق العدالة إذ نري أن السيد الحميري مع كونه متجاهرا بالفسق حين وفاته ابيضّ وجهه بعد اسوداده، و قال: و اللّه دخلت الجنة.

و أيضا نري أن الحر الشهيد الرياحي مع تلك المواجهة مع سيد الشهداء عليه السّلام المواجهة التي انتهت الي أن قتل سلام اللّه عليه وصل الي مرتبة صار قبره و مدفنه مزارا لعامة الشيعة فلا ملازمة بين الأمرين.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 34

مضافا إلي أنه نفرض أنّه كان صدوقا بل عادلا بل وليّا من أولياء اللّه لكن لا دليل علي أن صدور الحديث عنه كان مقارنا مع زمان وثاقته و عدالته و ولايته فهذه الرواية ساقطة عن الاعتبار.

و منها ما روا محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: إن شك الرجل بعد ما صلّي فلم يدر أثلاثا صلّي أم أربعا و كان يقينه حين انصراف أنه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة و كان حين انصرف أقرب الي الحق منه بعد ذلك «1».

و هذه الرواية لا بأس بسندها و تقريب الاستدلال بها أنه روحي فداه بعد حكمه بالإتمام و عدم الإعادة علل الحكم بقوله عليه السّلام: (و كان

حين انصرف أقرب الي الحق) و العلّة تعمم و تخصّص فيكون الحكم بالإتمام مختصّا بمورد يكون أقرب الي الحق فيفهم من الحديث أن في جريان القاعدة يلزم احتمال الذكر و أما مع العلم بالغفلة فلا مجال لجريانها.

أقول: قد صرح في كلامه عليه السّلام بما مضمونه: أن المصلي إذا فرغ من الصلاة و كان حين الفراغ قاطعا يكون صلاته تامة ثم شك في صحة صلاته علي نحو الشك الساري لا تجب عليه الإعادة و كان حين الانصراف أقرب الي الواقع.

و من الظاهر أن الأصحاب لا يشترطون في جريان القاعدة كون المكلف حين الفراغ متوجها و قاطعا بتمامية عمله.

و بعبارة أخري: الإمام عليه السّلام بين حكم مورد جزئي من موارد الشك الساري و المستفاد من الرواية بحسب المفهوم أن المصلي بعد فراغه عن الصلاة لو لم يكن قاطعا بالصحة يلزم أن يعتني بالشك في صحة صلاته و حيث إنّ الحديث وارد في خصوص الصلاة يكون مخصّصا لما يدل بالإطلاق و العموم علي عدم الاعتداد

______________________________

(1) الوسائل: الباب 27 من أبواب الخلل، الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 35

بالشك كحديثي زرارة و ابن أبي يعفور فلا يرتبط مفاد الحديث بالمدعي أصلا.

هذا أولا و ثانيا أنّه بأيّ تقريب يدعي أن الجملة الواقعة في هذه الرواية أو تلك الرواية علة للحكم و لما ذا لا تكون حكمة للجعل و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و ثالثا إنّا نفرض كون الجملة علة للحكم لكن نقول لا إشكال في عدم التنافي بين الاثباتين فلو قال المولي في دليل لا تشرب الخمر لأنه مسكر يستفاد منه أن الحرمة دائرة مدار الإسكار فلو ورد في دليل آخر لا تشرب الحلو هل يكون الدليل الثاني منافيا

للدليل الأول أو تكون النتيجة أن الحرمة دائرة مدار أحد الأمرين و هما الحلاوة و الإسكار؟

و رابعا: إن المذكور في حديث بكير الأذكرية و في حديث ابن مسلم الأقربية الي الحق فنسأل أنه ما المراد بالأذكرية أو الأقربية فهل يكون المراد من الكلمة الأذكرية و الأقربية النوعية أو الشخصية أما النوعية فلا تنافي اعتبار القاعدة مع العلم بالغفلة و أما الشخصية فلا بد من القطع بها و مع القطع لا يحتمل النقصان الّا من حيث العمد و احتمال العمد مدفوع باستصحاب عدمه.

فالنتيجة أنه لا دليل علي اشتراط جريان القاعدة باحتمال الذكر بل مقتضي القاعدة هو الجريان علي الاطلاق.

و يؤيد المدعي حديثان واردان في باب الوضوء أحدهما ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال:

حوله من مكانه و قال في الوضوء تديره فإن نسيت حتي تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 41 من أبواب الوضوء، الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 36

ثانيهما ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: إذا كان مع الرجل خاتم فليدوّره في الوضوء و يحوّله عند الغسل، قال: و قال الصادق عليه السّلام: و إن نسيت حتي تقوم من الصلاة فلا آمرك أن تعيد «1».

فإن الحديثين يدلان علي جريان القاعدة حتي مع العلم بالنسيان حين العمل.

الجهة السادسة: في أنّ القاعدة من المسائل الأصولية أو من المسائل الفرعية الفقهية؟

و الحق أنها من الثانية كما تقدم منّا قريبا و صفوة القول: أن القاعدة الفقهية لا ترتبط بالأصول فإن المسألة الأصولية تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي و لا تتعرض لحكم من الأحكام الشرعية الفرعية و أما القاعدة الفقهية فإنها ناظرة و متعرضة للحكم الفرعي الإلهي.

و بعبارة اخري:

لا فرق بين قاعدة الفراغ و وجوب صلاة الجمعة غاية ما في الباب أن القاعدة بمفهومها الواسع تتعرض لكثير من الموارد التي تكون تحت جامع واحد.

و إن شئت فقل: أن مفاد قاعدة: (ما يضمن بصحيحه … ) مثل وجوب العمل بالشرط و مثل وجوب العمل بالنذر فإن مصداق النذر قد يكون هو الصوم و أخري الاعتكاف و ثالثة الحج و رابعة الازدواج فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر: الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 37

القاعدة الرابعة قاعدة حجية البيّنة

اشارة

اعلم أن المراد من البيّنة في المقام شهادة عدلين بموضوع خارجي.

و الكلام يقع حولها في جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في الوجوه القابلة للاستدلال بها علي اعتبار البينة

. الوجه الأول: جملة من الآيات منها قوله تعالي: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونٰا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتٰانِ «1».

بتقريب أن المستفاد من الآية اعتبار شهادة رجلين.

و فيه أوّلا لا تعرض في الآية لعدالة الشاهدين.

و ثانيا أن الآية راجعة الي الدين و الموجبة الجزئية لا تكون دليلا علي الإيجاب الكلي الذي هو المقصود.

و منها قوله تعالي: وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا «2».

بتقريب أن المستفاد من الآية اعتبار شهادة شاهدين و بعبارة أخري وجوب أداء الشهادة يستلزم اعتبار قول الشاهد.

و فيه ما تقدم آنفا من الإشكال طابق النعل بالنعل.

و منها قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ

______________________________

(1) البقرة: 282.

(2) البقرة: 282.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 38

الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ «1».

و تقريب الاستدلال ظاهر و يرد عليه أولا: أنّه جعل العدل للعادل فإنّ قوله تعالي: أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مطلق يشمل غير العادل مضافا الي ان غير الامامي الاثني عشري لا يتصور كونه عادلا.

و ثانيا: أنّه قد مرّ قريبا أن الإيجاب الجزئي لا يكون دليلا علي الكلية.

و منها قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ «2».

و التقريب هو التقريب و الإشكال هو الإشكال.

و منها قوله تعالي: فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «3».

و التقريب هو التقريب و الإشكال هو الإشكال.

و علي الجملة: لا يمكن استفادة الكلية من

هذا المقدار من الموارد الجزئية مضافا الي أنه كما تقدم لا تعرض في بعض هذه الآيات للعدالة.

الوجه الثاني: الروايات منها ما رواه مسعدة ابن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: كلّ شي ء هو لك حلال حتي تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة أو المملوك عندك و لعلّه حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك و هي اختك أو رضيعتك و الأشياء كلّها علي هذا حتي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به

______________________________

(1) المائدة: 106.

(2) المائدة: 95.

(3) الطلاق: 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 39

البيّنة «1».

و تقريب الاستدلال علي المدعي بالحديث: أن المستفاد منه أنّ البيّنة حجّة في جميع الموضوعات الخارجية.

و فيه أن الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به.

و ربما يقال كما قيل: أن عمل المشهور بالخبر الضعيف يوجب انجباره و يوجب صيرورته موثوقا به و موضوع الحجة الخبر الموثوق به.

و يرد علي هذا البيان:

أولا: أنّه كيف يمكن الجزم بأن المشهور عملوا بهذا الخبر و الحال أن الوجوه القابلة للاستدلال متعددة.

و ثانيا: أن الالتزام بكون عمل المشهور جابرا و إعراضهم مسقطا من غرائب الكلام و يستلزم التناقض إذ في الأصول يحكمون بعدم اعتبار الشهرة الفتوائية و في الفقه يحكمون بكون العمل أو الإعراض جابرا و مسقطا و لا يمكن الجمع بين القولين.

و صفوة القول: أنّه إن كان الورع و الفضيلة يوجبان العلم لوصولهم الي دليل معتبر فكلا المقامين من واد واحد و إن قلنا أنّه يحتمل أن يكون العمل أو الإعراض ناشئا عن الاجتهاد فلا أثر لعملهم و لا لإعراضهم.

و ثالثا: أنه أيّ دليل دلّ

علي أنّ الميزان في الحجية الوثوق بصدور الخبر لا بكون الراوي ثقة و الحال أن السيرة العقلائية التي هي العمدة في دليل اعتبار الأخبار الآحاد جارية علي العمل بخبر الثقة.

و يؤكد المدعي بل يدل عليه ما ورد في بعض الروايات حين يسأل الراوي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4..

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 40

الإمام عليه السّلام عن كون فلان ثقة بقوله أ يونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني.

و رابعا: كيف يمكن دعوي أن الميزان الوثوق بالصدور و الحال أنّه قلّما يتّفق تحقق الوثوق بالصدور.

و خامسا: أنه لو كان الميزان الوثوق بالصدور لم يكن وجه لهذا البحث الطويل في حجية الخبر الواحد إذ اعتبار الاطمئنان من الواضحات الأوليّة فإن القطع حجة عقلا و الاطمئنان حجة عقلائية فالنتيجة أن الحديث غير تام سندا.

و أما من حيث الدلالة فالبينة عبارة عن الحجة و بعبارة أخري:

البينة مرادفة مع البرهان و ما قيل في هذا المقام أن البيّنة في لسان الشرع عبارة عن شهادة عدلين، بلا بينة.

كما أن ما قيل من أنّه لو كان المراد من البينة الحجة الواضحة لكان قسم الشي ء قسيما له، لا شي ء تحته فإن البينة قسيم العلم.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الجبن قال:

كل شي ء لك حلال حتي يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث ظاهر.

و يرد عليه أوّلا: أن الرواية لا يعتد بها سندا فإن عبد اللّه بن سليمان لم يوثق.

و ثانيا: أن المذكور فيها عنوان شاهدين بلا قيد فيشمل بإطلاقه حتي المشرك فلا يرتبط بالمقام أصلا.

و منها النصوص الواردة في ثبوت الهلال بشاهدين عدلين

كحديث الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن عليّا عليه السّلام كان يقول: لا أجيز في الهلال الّا شهادة رجلين عدلين «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 11 من أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 41

و فيه أنّه قد تقدّم منّا أن ثبوت المدعي في مورد جزئي لا يدل علي الكليّة فإن الأحكام الشرعية أمور تعبدية لا تنالها عقولنا: «مه يا أبان السنة إذا قيست محق الدين» آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللّٰهِ تَفْتَرُونَ.

و منها النصوص الواردة في باب القضاء و دلت علي اعتبار قول عادلين و يثبت به ادعاء المدعي حتي فيما يكون مورد الدعوي عينا تحت يد الغير فإذا فرض اعتبار شهادة عدلين حتي في قبال الأمارة و تكون الشهادة حاكمة عليها فكيف ببقية الموارد التي لا تكون كذلك.

و بعبارة اخري: بالأولوية تدل علي ثبوت الموضوعات الخارجية كنجاسة لباس زيد و كرّيّة حوض المدرسة الفلانية.

و يرد عليه: أنه لا وجه للأولوية إذ الأولوية إنما تتصور فيما يكون مناط حكم المولي معلوما كما في قوله تعالي حيث نهي عن قول أُفٍّ بالنسبة الي الوالدين فإن العرف يفهم أن الوجه في النهي التحفظ علي كرامتهما فيفهم بالأولويّة أشدّية الشتم و الضرب.

و أما في المقام فالملاك عندنا غير معلوم و لعلّ مصلحة قطع النزاع تقتضي الاعتبار بالنسبة الي شهادة عدلين بخلاف المورد الآخر.

الوجه الثالث: الإجماع و عن الجواهر: نفي وجدانه للخلاف في إثبات النجاسة بها و نقل خلاف القاضي و ابن البراج و الكاتب و الشيخ و مع الاختلاف كيف يمكن دعوي الإجماع.

مضافا الي أنّه قد ثبت في الأصول عدم حجية الإجماع لا منقولا و

لا محصّلا.

الوجه الرابع: السيرة العقلائية في جميع الأمصار و الأعصار فإن سيرتهم جارية علي قبول شهادة شخصين غير متهمين و لا معروفين بالكذب و لا مغرضين بالنسبة الي المشهود عليه.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 42

و يرد عليه أولا: أنّه كيف يمكن الجزم بتحقق السيرة المدّعاة.

و ثانيا: أن المدعي أخص من مورد السيرة المدعاة.

و بعبارة اخري: السيرة المدعاة لا تنطبق علي مورد الكلام.

و إن شئت قلت: السيرة المدعاة دائرتها أوسع من دائرة محل الكلام و لا خصوصية في نظر هم لشهادة عدلين.

و ثالثا: أنّه إذا كان الغرض مع المشهود عليه مانعا عن القبول فمجرد احتماله يكفي في عدم الاعتبار إذ لا يجوز الأخذ بالعام في الشبهة المصداقية.

لا يقال: بالاستصحاب يحرز عدم الغرض فإنه يقال لا يترتب علي الأصل المذكور تحقق السيرة إلّا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به، و بعبارة اخري:

السيرة لا إطلاق فيها كي يقال: بأن بالاستصحاب يحرز الموضوع بل السيرة دليل لبيّ و لا بد فيها من الاقتصار علي المتيقن منها فلاحظ.

الوجه الخامس: السيرة الجارية بين أهل الشرع مضافا الي ارتكازهم و أذهانهم فإنه لا مجال لإنكار هذه السيرة القطعية المسلمة عند المتشرعة و من الظاهر أن هذه السيرة الجارية مسببة عن سبب شرعي و إلّا فكيف يمكن تحققها بلا نكير من أحد.

و إن شئت قلت: وضوح اعتبارها بحدّ لا يكون قابلا للإنكار.

الوجه السادس: النصوص الدالة علي اعتبار شهادة العدل منها: ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم فقال:

أن تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان و يعرف

باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك و الدلالة علي ذلك كلّه أن

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 43

يكون ساترا لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين و أن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الّا من علة فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلاة الخمس فإذا سئل عنه في قبيله أو محلته قالوا ما رأينا منه الّا خيرا مواظبا علي الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلّاه فإن ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين و ذلك أن الصلاة ستر و كفارة للذنوب و ليس يمكن الشهادة علي الرجل بأنّه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين و إنما جعل الجماعة و الاجتماع الي الصلاة لكي يعرف من يصلي ممّن لا يصلي و من يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع و لو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد علي آخر بصلاح لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم همّ بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين و قد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جري الحكم من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيه

الحرق في جوف بيته بالنار و قد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة «1».

و المستفاد من هذه الرواية بالصراحة اعتبار شهادة العادل و لكن الإشكال في سند الحديث فإنّ له طريقين أحدهما تام و الآخر غير تام أما الطريق الأول الذي يكون تاما فقد حذف منه ما يفيدنا في المقام و أما الطريق الثاني فهو مشتمل علي ما يفيدنا لكن غير تام من حيث السند فلا يعتد بهذه الرواية.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 44

و منها ما عن تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في تفسيره عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، قال في قوله تعالي: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ، قال:

ليكونوا من المسلمين منكم فإن اللّه إنما شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم و جعل ذلك من الشرف العاجل لهم و من ثواب دنياهم «1».

إن قلت: المستفاد من الحديث اعتبار شهادة العدل و لو كان واحدا.

قلت: علي فرض تسلم هذه الدعوي نقول: نرفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار فيتم الأمر فتحصل أن شهادة عادلين حجة.

بقي الكلام في العدل الواحد و الثقة الواحد أما العدل الواحد فيمكن الاستدلال علي اعتبار قوله مضافا الي السيرة الجارية بين أهل الشرع بل الجارية بين العقلاء ما في تفسير الإمام عليه السّلام فإن المستفاد من الحديث اعتبار قول المسلم العادل.

و يؤيد المدعي إن لم يكن دليلا تجويز الشارع الأقدس الاقتداء به في الصلاة مع كونها معراج المؤمن و أعظم أركان الدين و إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها.

بل لنا أن نستدل علي المدعي بآية النبأ

حيث أن المستفاد من الآية أن علّة عدم اعبتار قول الفاسق أن الركون إليه و جعل قوله طريقا الي الواقع في معرض حصول الندامة فإن الندامة إنّما تحصل فيما يكون العمل بلا رويّة و تكون نتيجة لسلوك طريق غير عقلائي.

و بعبارة واضحة: أن الإنسان إذا أقدم علي أمر و سلك سلوكا علي طبق القواعد لا يحصل له الندم و إن لم يصل الي مطلوبه، نعم كثيرا ما يتأثّر.

مثلا إذا فرضنا أن المريض راجع الي طبيب حاذق مشار إليه بالبنان و لكن

______________________________

(1) نفس المصدر: الحديث 22.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 45

الطبيب اشتبه في التداوي و بالنتيجة صار المريض أسوأ حالا بحيث لا يكون قابلا للعلاج لا معني لأن يصير المريض نادما من عمله و لكن يتأثر من عدم حصول مطلوبه و هذا أمر آخر.

و المستفاد من الآية أن علة المنع أن الركون الي الفاسق الذي لا يكون في طريق الحق سفاهة و أمّا إذا لم يكن كذلك فلا مانع عن الركون و لعمري هذا وجه وجيه و إن كان قارعا للأسماع.

و أما شهادة الثقة الواحد فيمكن الاستدلال علي اعتبارها بالسيرة أيضا فإن الظاهر أن السيرة العقلائية جارية علي العمل بقوله و لم يردع السيرة المذكورة من قبل الشارع الأقدس.

بل يظهر من جملة من النصوص إمضائها منها ما رواه أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته و قلت: من أعامل و عمن آخذ و قول من أقبل؟

فقال: العمري ثقتي فما أدّي إليك عنّي فعنّي يؤدي و ما قال لك عنّي فعني يقول فاسمع له و أطع فإنّه الثقة المأمون «1».

و منها ما رواه إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن

يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: أما ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك- إلي أن قال- و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه و أما محمد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل فإنه ثقتي و كتابه كتابي «2».

و منها ما رواه الحسن بن علي بن يقطين عن الرضا عليه السّلام قال: قلت: لا أكاد

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4.

(2) نفس المصدر: الحديث 9.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 46

أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم «1».

و منها ما رواه علي بن المسيّب الهمداني قال: قلت للرضا عليه السّلام: شقّتي بعيدة و لست أصل إليك في كل وقت فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا ابن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا، قال علي بن المسيب: فلما انصرفت قدمنا علي زكريّا بن آدم فسألته عمّا احتجت إليه «2».

و منها ما رواه أحمد بن إبراهيم المراغي قال: ورد علي القاسم بن العلاء و ذكر توقيعا شريفا يقول فيه: فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرّنا و نحملهم إياه إليهم «3».

فإن المستفاد من هذه الطائفة أن حجية قول الثقة أمر واضح علي نحو الكبري الكلية و إنما الكلام في تشخيص المصداق.

أضف إلي ذلك أنا نري أن الشيخ الطوسي و المفيد و الصدوق و أضرابهم مع كون

عصرهم قريبا من عصر الإمام عليه السّلام يرتّبون الأثر علي شهادة الثقة كان أمرا مغروسا في أذهانهم و قانونا مسلّما عندهم فلو لم يكن قول الثقة معتبرا عند الشارع لذاع و شاع و لم يكن أمرا مستورا تحت الستار.

و في المقام حديث عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث أن عليا عليه السّلام قال: لا أقبل شهادة الفاسق الّا علي نفسه «4».

______________________________

(1) نفس المصدر: الحديث 33.

(2) نفس المصدر: الحديث 27.

(3) نفس المصدر: الحديث 40.

(4) الوسائل: الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 7.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 47

ربما يقال بأن المستفاد منه أنه لا اعتبار بشهادة الفاسق و إن كان ثقة.

و في قبال التقريب المذكور يمكن أن يقال: إن قلنا بأن المستفاد من الحديث أنه لا يقبل قوله في مقام الدعاوي و المحاكمات فالأمر سهل إذ من الواضح ان الشهادة في مورد القضاء و إثبات الدعوي مشروط بكون الشاهد عادلا و إن قلنا بأن الحديث مطلق أي المستفاد منه عدم قبول قول الفاسق علي الإطلاق فيمكن أن يقال بأن المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي أن الامام روحي فداه ناظر الي صورة عدم الأمن من الكذب و أما لو كان ثقة و أمينا في الكلام فالحديث غير ناظر إليه.

و إن أبيت و قلت: المحكم إطلاق الحديث فيشمل الثقة الفاسق قلت: حيث انّ اعتبار قول الثقة واضح و كما بيّنا من الصدر الأول كان ديدن الأعاظم علي ترتيب الأثر بقول الثقة بلا نكير نخصّص الحديث و نقول: لا اعتبار بقول الفاسق الّا إذا كان ثقة فلاحظ.

الجهة الثانية: أنّه هل يشترط في حجيّة البيّنة كون الشاهدين العادلين رجلين أم لا؟

الظاهر هو الاشتراط إذ لا دليل علي الإطلاق و مقتضي الأصل في الأمور الوضعية الضيق.

الجهة الثالثة: انّه لا اختصاص لمورد دون آخر بل البيّنة حجّة في جميع الموضوعات

بلا كلام و لا يتصور في مورد عدم أثر شرعي إذ أقل ما يترتب علي الشهادة جواز الإخبار فلاحظ.

الجهة الرابعة: في حكم صورة تعارض البيّنة مع غيرها

فنقول: لا إشكال في تقدمها علي الأصول العملية التي أخذ في موضوعاتها عنوان الشك فإنها حاكمة عليها كما هو ظاهر.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 48

و أيضا تقدم علي الاستصحاب حتي علي القول بكونه أمارة إذ مضافا الي أن المأخوذ في موضوعه عنوان الشك لو كان الاستصحاب معارضا مع البيّنة و لم نقل بتقدّمها عليه تكون لغوا.

و أمّا لو عارضت قاعدة الفراغ أو الصحة فأيضا تقدم عليهما إذ قد مرّ و تقدم منّا أن القاعدة لا تكون أمارة.

و أما فيما يقع التعارض بينها و قاعدة اليد أو السوق و أمثالهما فأيضا تقدم عليها فإنّ عمدة الدليل علي تلك القواعد السيرة و لا بدّ من الاقتصار علي مورد لا تكون في قبالها بينة.

و مما ذكر يعلم وجه تقدّمها علي قول الثقة و أما إذا وقع التعارض بينها و بين الإقرار فالظاهر لو لا الدليل الخارجي تقدم الإقرار فإن السيرة العقلائية جارية عليه و لم يتحقق الردع من قبل الشارع الأقدس.

بل يمكن أن يقال: أن المرتكز في أذهان أهل الشرع عدم قيام دليل في قبال الإقرار و أما لو وقع التعارض بينها و بين قول العدل الواحد فمقتضي القاعدة الأولية تحقق التعارض و نتيجة التعارض التساقط و هل يمكن الجزم به أو يحتاج الأمر الي مزيد من التأمل و اللّه العالم بحقائق الأمور و عليه التوكّل و التكلان.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 49

القاعدة الخامسة قاعدة اليد

اشارة

و يقع البحث فيها من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في المراد من اليد

، و الظاهر أن المراد منها الاستيلاء الخارجي و هذا المعني يختلف بحسب إختلاف الموارد، و لا وجه لإطالة البحث في هذه الجهة إذ الاستيلاء أمر عرفي و لا يكون أمرا مجهولا فتارة محرز فيترتب عليه الأثر و أخري يكون مشكوكا فيه فلا يترتب الأثر عليه بل في مورد الشك يمكن إحراز عدمه بالاستصحاب إذ ذكرنا كرارا أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية.

الجهة الثانية: في الوجوه التي يمكن الاستدلال بها علي المدعي

: الوجه الأول: السيرة الجارية بين العقلاء و المتشرعة فإنه لا إشكال في أن العقلاء في جميع العالم يرون اليد أمارة علي كون ذيها مالكا لما فيها و من الظاهر الواضح أنه لم يردع عن هذه السيرة من قبل الشارع.

الوجه الثاني: الإجماع، و فيه الإشكال الساري في جميع الإجماعات المنقولة و أنه لا اعتبار بها و لا اعتبار بمحصله و إنما الاعتبار بالإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام و أنّي لنا بذلك.

الوجه الثالث: جملة من النصوص منها ما رواه عثمان بن عيسي و حماد بن عثمان جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث فدك أن أمير المؤمنين عليه السّلام قال لأبي بكر:

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 50

أ تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال: لا قال: فإن كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة علي ما تدّعيه علي المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شي ء فادّعي فيه المسلمين تسألني البيّنة علي ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و بعده و لم تسأل المؤمنين البيّنة علي ما ادّعوا عليّ كما سألتني البيّنة علي ما

ادّعيت عليهم، إلي أن قال: و قد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: البيّنة علي من ادّعي و اليمين علي من أنكر «1».

و منها ما رواه جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وجد في منزله دينارا، قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: هذا لقطة، قلت:

فرجل وجد في صندوقه دينارا، قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت: لا قال: فهو له «2».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به «3».

فإنّه يستفاد من هذه النصوص اعتبار اليد و العرف ببابك.

و أما حديث حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال له رجل: إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنه له، قال: نعم قال الرجل:

أشهد أنه في يده و لا أشهد أنه له فلعلّه لغيره، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ فيحل الشراء منه؟ قال: نعم فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فلعله لغيره.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعاوي، الحديث 3.

(2) الوسائل: الباب 3 من أبواب اللقطة، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 51

فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه و لا يجوز أن تنسبه الي من صار ملكه من قبله إليك، ثم قال أبو عبد

اللّه عليه السّلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق «1».

فلا يعتد به سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته و في باب ميراث الأزواج نصوص توهم بعض دلالتها علي المدعي منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألني: هل يقضي ابن أبي ليلي بالقضاء ثم يرجع عنه فقلت له: بلغني أنه قضي في متاع الرجل و المرأة إذا مات أحدهما فادّعاه ورثة الحي و ورثة الميت أو طلقها فادّعاه الرجل و ادّعته المرأة المرأة بأربع قضايا فقال: و ما ذاك؟ قلت: أما أوّلهن فقضي فيه بقول إبراهيم النخعي كان يجعل متاع المرأة الذي لا يصلح للرجل للمرأة و متاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل و ما كان للرجال و النساء بينهما نصفان ثم بلغني أنه قال أنهما مدعيان جميعا فالذي بأيديهما جميعا (يدعيان جميعا) بينهما نصفان ثم قال: الرجل صاحب البيت و المرأة الداخلة عليه و هي المدعية فالمتاع كله للرجل الّا متاع النساء الذي لا يكون للرجال فهو للمرأة ثم قضي بقضاء بعد ذلك لو لا أني شهدته (لم أروه عنه) ماتت امرأة منا و لها زوج و تركت متاعا فرفعته إليه فقال: اكتبوا المتاع فلما قرءاه قال للزوج: هذا يكون للرجال و المرأة فقد جعلناه للمرأة الا الميزان فإنه من متاع الرجل فهو لك فقال عليه السّلام لي: فعلي أي شي ء هو اليوم؟ فقلت: رجع الي أن قال بقول إبراهيم النخعي أن جعل البيت للرجل ثم سألته عليه السّلام عن ذلك فقلت: ما تقول أنت فيه فقال: القول الذي أخبرتني إنك شهدته و إن كان قد رجع عنه فقلت: يكون المتاع للمرأة؟ فقال:

أ رأيت إن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعاوي، الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 52

أقامت بيّنة إلي كم كانت تحتاج فقلت شاهدين فقال: لو سألت من بين لابتيها يعني الجبلين و نحن يومئذ بمكة لأخبروك أن الجهاز و المتاع يهدي علانية من بيت المرأة الي بيت زوجها فهي التي جاءت به و هذا المدّعي فإن زعم أنه أحدث فيه شيئا فليأت عليه البيّنة «1».

و منها ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما و من استولي علي شي ء منه فهو له «2».

و منها ما رواه رفاعة النخاس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: إذا طلق الرجل امرأته و في بيتها متاع فلها ما يكون للنساء و ما يكون للرجال و النساء قسّم بينهما قال: و إذا أطلق الرجل المرأة فادّعت أن المتاع لها و ادعي الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال و لها ما يكون للنساء و ما يكون للرجال و النساء قسّم بينهما «3».

و لكن هذه الروايات لا تدل علي المدعي أما الرواية الأولي فتدل علي أن الدليل قائم علي أن ما في البيت مملوك للمرأة و لا تدلّ علي اعتبار اليد.

و أما الحديث الثالث و الرابع فمضافا إلي ضعف سند الثالث لا يدلان علي اعتبار اليد بل يدلان علي مطلب آخر كما هو واضح عند المراجع.

أضف الي ذلك الحديث الثاني من الباب و هو ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل يموت ماله من

متاع البيت؟

______________________________

(1) الوسائل: الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

(2) نفس المصدر: الحديث 3.

(3) نفس المصدر: الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 53

قال: السيف و السلاح و الرحل و ثياب جلده «1». فإنّه يدل علي خلاف مدلول الحديثين فلاحظ.

ثم أن اليد إذا كانت يد المسلم هل تكون إمارة علي التذكية؟ الظاهر أن الأمر كذلك و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الأول: السيرة القطعية الجارية بين أهل الإسلام بلا نكير و هذه السيرة متصلة الي زمان مخازن الوحي أرواحنا فداهم.

الوجه الثاني: الإجماع المدعي في المقام و عدم الخلاف.

الوجه الثالث: الارتكاز المتشرعي.

الوجه الرابع: إنه لو لم يكن كذلك لشاع و ذاع و الحال أن خلافه كذلك.

الوجه الخامس: أنه لو لم تكن يد المسلم إمارة علي التذكية يلزم العسر و الحرج.

الوجه السادس: النصوص لاحظ ما رواه إسماعيل بن عيسي قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه «2».

الوجه السابع: أن النصوص الدالة علي إمارية سوق المسلمين علي التذكية تدل علي المدعي إذ السوق لا موضوعية له بل هو طريق الي الإسلام من يكون فيه فتلك النصوص تدل علي المدعي بالأولوية.

الجهة الثالثة: أن الظاهر أن اليد إمارة في قبال بقية الإمارات

و الوجه فيه أنه

______________________________

(1) نفس المصدر: الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 7.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 54

لا يكون تعبد من قبل العقلاء علي جعل اليد إمارة علي الملكية بل حيث أن الطبع الأولي يقتضي أن ما في اليد مملوك لذيها و خلافه خلاف الأصل

الأولي بنوا علي العمل علي طبقها و من الظاهر أن هذا كاشف عن الواقع.

و إن شئت فقل: إن اليد إما موجبة للاعتقاد بكون ما في اليد مملوكا لذيها و إما موجبة للظن بالملكية و لو نوعا و علي كلا التقديرين تكون كاشفة عن الواقع و هذا ظاهر واضح.

الجهة الرابعة: في موارد التعارض بين أمارية اليد و الأدلة الاخر

اشارة

فنقول:

لا إشكال في تقدّمها علي الاستصحاب لوجهين:

الوجه الأول: أن القاعدة أمارة و كاشفة عن الواقع و الاستصحاب قد أخذ في موضوعه الجهل و الشك فتكون القاعدة حاكمة عليه.

الوجه الثاني: أن الاستصحاب لو كان مانعا عن الأخذ بالقاعدة تكون القاعدة لغوا أو كاللغو إذ ما من مورد إلا القليل الّا و كان الاستصحاب خلاف مقتضاها.

و أما مع الإقرار فلا إشكال في تقديمه عليها فإن دليل اعتبار القاعدة السيرة و من الظاهر أن السيرة لا لسان لها فلا مجال لتوهم الإطلاق.

و أما مع البينة فلا إشكال أيضا في تأخر القاعدة عنها أما أولا فلما تقدم آنفا، و أما ثانيا، فلأن الحاكم يحكم بمقتضي البينة فيعلم أنّها مقدّمة علي اليد في الشرع الأقدس.

و أما في مورد تنافيها مع قول العدل الواحد أو الثقة كذلك فلا يمكن الجزم بتقدّم القاعدة عليهما.

إذ يرد علي القول بالتقديم أنّه قد تقدم أن دليل اعتبارها السيرة و الجزم بتحققها عند معارضتها معهما مشكل و مقتضي الأصل عدمها.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 55

بل لقائل أن يقول لا بد من تقديم قول العدل الواحد و الثقة الواحد لاحظ ما عن الامام العسكري «1».

لكن يشكل الاستدلال علي المدعي بالحديث المشار إليه فإن المذكور في الحديث عنوان شاهدين و لا يشمل العدل الواحد.

و أما الثقة فلم يذكر فيه.

إذا عرفت ما تقدم نقول: يقدم الاستصحاب علي القاعدة في موردين:

المورد

الأول: ما لو أقرّ ذو اليد بعدم ما فيها مملوكا له سابقا و كان ملكا للمدعي لكن يدعي بعد ذلك أنه صار مملوكا له فإن الاستصحاب يقتضي عدم انتقال العين إليه و الوجه فيه القصور في دليل اعتبار اليد.

المورد الثاني: ما لو كانت اليد عادية سابقا و ادّعي ذو اليد أن ما في يده صار ملكا له فإن الاستصحاب يقدم عليه لما تقدم آنفا من قصور دليل أمارية اليد فلا يمكن أن يستدل بها علي صحة دعواه.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الأنوار البهية في القواعد الفقهية، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1423 ه ق الأنوار البهية في القواعد الفقهية؛ ص: 55

و في المقام فروع:
الفرع الأوّل: أن اليد علي شي ء و الاستيلاء عليه [هل تدل علي زوجية امرأة تكون تحت استيلائه]

كما تدل علي كون ذلك الشي ء ملكا لذيها هل تدل علي زوجية امرأة تكون تحت استيلائه و في داره أم لا؟

و إن شئت فقل: اليد علي العرض هل تكون دالة علي الزوجية بحيث لا يحتاج الي الإثبات بل من يدعي الخلاف عليه إقامة البيّنة أم لا؟

الذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال لا بد من التفصيل بأن يقال: تارة يكون المنكر للزوجية نفس المرأة و أخري شخص آخر أجنبي يدعي زوجيّتها و علي الثاني قد تكون الزوجة مصدّقة للمدعي و أخري منكرة لدعواه و ثالثة

______________________________

(1) لاحظ ص 44.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 56

تكون ساكتة فهنا صور:

الصورة الأولي: أن يكون المنكر نفس الزوجة، و في هذه الصورة لا يبعد أن يكون القول قول المنكر أي المرأة و الوجه فيه أن غاية ما يمكن أن يقال في اعتبار اليد و الاستيلاء في المقام و غيره، السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع و لا سيرة في هذه الصورة و لا أقل من

الشك فيها و مع الشك يكون مقتضي القاعدة عدم الاعتبار فيكون المرجع أصالة عدم الزوجية.

الصورة الثانية: أن يكون المدعي شخصا أجنبيا و في هذه الصورة إن كانت المرأة مكذبة إيّاه أو كانت ساكتة فالظاهر أن اليد و الاستيلاء دليل علي الزوجية و المدعي للخلاف يحتاج الي إقامة البيّنة و إن كانت مصدقة إيّاه فالظاهر عدم الاعتبار باليد لعدم الدليل علي اعتبارها فالذي تكون المرأة في داره يحتاج الي إقامة البيّنة و لا يبعد أن يحكم بزوجية المرأة للأجنبي إذ الحق لا يعدوهما.

الفرع الثاني: إن إخبار ذي اليد بنجاسة ما في يده أو طهارته

هل يكون معتبرا أم لا؟

ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي الاعتبار أو ذكر وجوه:

الوجه الأول: اتّفاق الأصحاب، قال في الحدائق: (ظاهر الأصحاب الاتفاق علي قبول قول المالك في طهارة ثوبه و إنائه و نحوهما و نجاستهما).

الوجه الثاني: السيرة بدعوي أنّها جارية علي معرفة الأشياء من إخبار المتولي عليها لأنه أعرف من غيره بحال ما في يده و هذه السيرة ممضاة من قبل الشارع الأقدس و قال سيدنا الأستاذ في هذا المقام في شرحه علي العروة الوثقي:

«لقيام السيرة القطعية علي المعاملة مع الأشياء المعلومة نجاستها السابقة معاملة الأشياء الطاهرة لدي الشك إذا أخبر ذو اليد بطهارتها و يؤكد السيرة المدعاة أن الإنسان بحسب فطرته و جبلّته يسأل المتولّي علي شي ء اذا كان جاهلا

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 57

بما يتعلق به و الظاهر أن هذه العادة الجارية بين العقلاء غير قابلة للإنكار».

الوجه الثالث: جملة من النصوص، منها ما رواه أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه فقال: إن كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و إن

كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته «1».

و منها ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟

فقال: بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به «2».

و منها ما رواه إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله سعيد الأعرج السمان و أنا حاضر عن الزيت و السمن و العسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به؟ قال: أما الزيت فلاتبعه الّا لمن تبيّن له فيبتاع للسراج و أما الأكل فلا و أما السمن فإن كان ذائبا فهو كذلك و إن كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما حولها ثم لا بأس به و العسل كذلك إن كان جامدا «3».

بتقريب إن العرف يفهم أن الأمر بالإخبار لزوم قبول قول المخبر.

و فيه: إن الوارد في هذه النصوص عنوان الإعلام و التبيين و من الواضح أن مجرد الإخبار لا يكون إعلاما و تبيينا بل العنوانان إنما يتحققان عند حصول العلم بالمخبر به فلا تكون دليلا علي اعتبار الإخبار بما هو إخبار.

اللهم إلا أن يقال: أن العرف يفهم أن المراد بالإعلام و التبيين، الاخبار عن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(2) نفس المصدر: الحديث 4.

(3) نفس المصدر: الحديث 5.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 58

الواقع و هذا العرف ببابك.

و إن شئت قلت: إذا أخبر شخص عن شي ء يصحّ أن يقال أنه أعلم أو بيّن.

الوجه الرابع: ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلي فيه و هو لا يصلي فيه قال: لا يعلمه، قلت:

فإن أعلمه، قال: يعيد «1».

و فيه أنه لا يمكن الأخذ بمفاد الخبر فإنه خلاف ما استفيد من الشرع من صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة.

الوجه الخامس: ما رواه معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ علي الثلث و أنا أعرفه أنه يشربه علي النصف فقال: خمر لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه علي الثلث و لا يستحلّه علي النصف يخبرنا أن عنده بختجا علي الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم «2».

و ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ علي الثلث و أنا أعرف أنّه يشربه علي النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه علي النصف؟

فقال: لا تشربه.

قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه علي الثلث و لا يستحلّه علي النصف يخبرنا أن عنده بختجا علي الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 47 من أبواب النجاسات، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 122 الحديث 526.

(3) الوسائل: الباب 7 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 59

الفرع الثالث: أنه هل يجوز الشهادة مستندة الي اليد أم لا

؟ جاء في بعض الكلمات في هذا المقام أنها جائزة إذ القطع في مورد الشهادة لازم لكن علي نحو الطريقية و من ناحية أخري قد حقق في محله قيام الأمارات مقام القطع الطريقي أو الموضوعي الذي أخذ علي الطريقية و من ناحية ثالثة أن اليد من الأمارات فعلي طبق القاعدة تجوز الشهادة علي طبق

اليد.

أقول: يقع الكلام هنا في مقامين:

المقام الأول: في مقتضي القاعدة الأولية.

المقام الثاني: فيما يستفاد من النصوص الخاصة.

أما المقام الأول فنقول: مقتضي القاعدة الأولية عدم الجواز و الوجه فيه: أن الشهادة من الحضور عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ* و بعبارة اخري: كون الشي ء معلوما غير كونه مشهودا و لذا نحن بحمد اللّه قائلون و عالمون بوجود الإمام الغائب سلام اللّه عليه و مع ذلك لا يكون حاضرا.

و بعبارة واضحة مع القطع الوجداني بالواقعة لا تجوز الشهادة فكيف بغيره و لذا لا تجوز الشهادة بالزنا و لو مع القطع به و لا بدّ فيها من رؤيته كالميل في المكحلة.

و لتوضيح المقام أزيد مما تقدم، نقول: تارة يريد الشخص الإخبار عن ملكية ما في يد أحد بأنه لذيها فإنه جائز بلا إشكال إذ حقق في محله قيام الأمارات مقام القطع و أما الشهادة فلا فإن الشهادة إخبار خاص في إطار مخصوص و لا يتحقق مفهوم الشهود الّا بالحضور و العرف و اللغة ببابك.

بل التبادر يقتضي هذا المعني، و إن شئت قلت: مجرد كون الشخص عالما بشي ء لا يكون شاهدا عليه و لو شك في سعة المفهوم و ضيقه يكون مقتضي الصناعة و الأصل عدم التوسعة فإن أصالة عدم كون اللفظ موضوعا للأعم يقتضي عدم الصدق الّا مع الحضور و أصالة عدم كونه موضوعا للخاصّ لا يقتضي كونه

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 60

موضوعا للعام الّا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

إن قلت: علي هذا كيف يشهد الموحدون في العالم بقولهم «أشهد أن لا إله الّا اللّه» مع عدم حضور ذاته سبحانه.

قلت: يمكن أن يكون الوجه فيه أن جميع الموجودات الكونية برمّتها أدلة وجوده و كاشفة عن تلك الذات

الحقيقية و الشاهد لما نقول ما صدر عن مخزن الوحي خامس أصحاب الكساء في يوم عرفة فإن من جملة دعائه عليه السّلام: (عميت عين لا تراك).

و إن أبيت عمّا قلنا، نقول: لا بد من الحمل علي المجاز فلاحظ، و يؤكد المدعي بل يدلّ عليه أنه لو كانت الشهادة عند الحاكم جائزة، لا يبقي أثر لإقامة البينة علي صدق ذي اليد إذ لو كانت اليد سببا لجواز الشهادة علي واقع الأمر يكون الشهود كثيرا فالنتيجة عدم الجواز نعم تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية.

و أما المقام الثاني فقد وردت في المقام عدة نصوص، منها: ما رواه حفص ابن غياث «1».

بتقريب أنه يستفاد من الحديث جواز الشهادة علي طبق اليد.

و يرد عليه أن السند ضعيف بقاسم بن يحيي و كون الرجل في أسناد كامل الزيارات لا أثر له كما بيّناه في محله.

مضافا الي أنّه لا يبعد أن يكون المراد بالشهادة، الشهادة بالملكية الظاهرية و الدليل عليه ذيل الحديث إذ من الظاهر أن الشهادة بالملكية الظاهرية كافية لقيام الأسواق للمسلمين.

ثم أنه هل تجوز الشهادة بمقتضي الاستصحاب؟

______________________________

(1) لاحظ ص 50.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 61

الكلام فيه هو الكلام بل ما ذكرناه في مقام التأكيد يدل علي عدم الجواز بالاستصحاب بطريق أولي.

و أما حديث معاوية بن وهب قال: قلت له: إن ابن أبي ليلي يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان و تركها ميراثا و أنّه ليس له وارث غير الذي شهدنا له فقال اشهد بما هو علمك، قلت: إن ابن أبي ليلي يحلفنا الغموس فقال: احلف إنما هو علي علمك «1» و حديثه الآخر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يكون له العبد و الأمة قد عرف ذلك فيقول

أبق غلامي أو أمتي فيكلّفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع و لم يهب أ نشهد علي هذا إذا كلّفناه، قال: نعم «2».

فربما يتوهم دلالتهما علي جواز الشهادة ببركة الاستصحاب لكن يمكن أن يكون الإمام عليه السّلام ناظرا الي جواز الشهادة في المقام بما يكون معلوما في الظاهر و من الواضح أن هذا المقدار جائز علي طبق القاعدة و بعبارة أخري في الحديث الأول قد صرح بجواز الشهادة بالمقدار المعلوم و كذلك يجوز الحلف بهذا المقدار و المستفاد العرفي من كلامه عليه السّلام أن المقدار المعلوم للسائل و هو كون زيد وارثا و كون الدار كانت ملكا بحسب الموازين لمن مات و أما الشهادة علي عدم وارث آخر و بقاء الدار في ملك الميت الي آخر زمان حياته بحيث تكون الشهادة علي الواقع، فلا يستفاد من الحديث.

و يفهم من الجملة الواقعة في الذيل أي قوله عليه السّلام: (إنما هو علي علمك) أن الميزان في الجواز في الشهادة المقدار المعلوم بحسب الظاهر و لا يكون الإمام عليه السّلام في مقام بيان اعتبار الاستصحاب و أنّه تجوز الشهادة بالاستصحاب و إلّا لم يكن مورد

______________________________

(1) الوسائل: الباب 17 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

(2) نفس المصدر: الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 62

لحصر الجواز في المقدار المعلوم إذ بالاستصحاب ينكشف بقاء الدار في ملكه إلي آخر زمان حياته و ينكشف أيضا عدم وارث آخر.

و أما الحديث الثاني فإن قلنا بأن المستفاد منه ما هو المستفاد من الحديث الأول فهو و إلا نقيده بالحديث الأول و ان أبيت عما قلنا و قلت بأنهما متعارضان نقول:

يسقطان عن الاعتبار إذ الأحدث منهما غير معلوم فلاحظ.

الفرع الرابع: أن اليد علي العين إذا كانت متعددة فهل يقع التعارض

بحيث ينفي كل

واحد منهما الملكية للآخر أم لا؟

الحق هو الثاني و لتوضيح المدعي و ما هو الحق لا بدّ من بيان الشركة في عين واحدة بين متعدد فنقول:

ربما يقال: أن الشركة في عين واحدة لا تنافي الاستقلال أي يمكن أن يكون كل من الشريكين مالكا للعين بالاستقلال.

و هذا الذي أفيد بمراحل عن الواقع إذ تارة نقول: الاعتبار خفيف المئونة في كل أمر و لو كان من المحالات كاجتماع النقيضين و قابل للاعتبار و أخري نقول: لا بد في الاعتبار من القصر علي موارد قابلة لترتب الأحكام و الآثار و تكون قابلة للعرض الي السوق العقلائي و من الظاهر أن المتيقن الشق الثاني و عليه نقول:

الاستقلال ينافي الاشتراك و كل منهما يطارد الآخر و هذا ظاهر عند اللبيب.

و ربما يقال: أن العين المشتركة مملوكة لكلا الشريكين أي يكون المالك مجموعهما.

و هذا القول ملحق بالأول في البطلان فإن الاشتراك أشرب في مفهومه إن كل واحد من الشريكين أو الشركاء مالكا لمقدار من العين.

و صفوة القول: إن القول المذكور مردود عند العقلاء و أهل الشرع.

و ربما يقال: إن كل واحد من الشريكين مالك لمقدار معين في الخارج و هذا

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 63

القول مضافا الي عدم كونه مقبولا عند العرف و أهل الشرع لا دليل عليه فهو أيضا ملحق بالقولين السابقين في البطلان.

و القول الصحيح الموافق لآراء العقلاء و أهل الشرع إن كل واحد من الشريكين مالك لمقدار من العين علي نحو الإشاعة أي مالك للكسر المشاع.

إذا عرفت ما تقدم نقول: إذا فرضنا استيلاء أكثر من واحد علي عين فهل تكون يد كل واحد منهما أمارة علي مملوكية جزء معين خارجي أو أمارة علي كونه مالكا للكسر المشاع،

أما الأول فقد قلنا أنه غير تام و يكون تصرف أحدهما في المعين جورا و عدوانا في نظر العقلاء.

و أما الثاني فالمفروض أنه لا يدل للشريك علي الكسر المشاع فما الحيلة و ما الوسيلة؟

إلا أن يقال: ان اليد في مثله لا تكون أمارة و هو كما تري، و الذي يهون الخطب أنّ العرف يراهما ذا اليد علي مجموع الدار مثلا فتكون أمارة لكون الدار لهما.

و من ناحية اخري أن الاشتراك في نظر العقلاء عبارة عن كون كل منهما مالكا للكسر المشاع فالنتيجة أن يد المتعدد علي عين تدل علي كون كليهما مالكين علي نحو الاشتراك الصحيح.

هذا فيما يكون مجموع العين في يدهما و أما إذا فرضنا أن الطبقة الأولي تحت يد أحدهما و الطبقة الثانية تحت يد الآخر تكون اليد أمارة مملوكية كل طبقة لمن يكون مستوليا عليها.

و لما انجر الكلام إلي هنا نقول:

قد أشير في بعض الكلمات إلي أن مملوكية الأخماس و الزكوات التي لأربابها علي أي نحو و هل تكون الأخماس مثلا مملوكة للمذكورين في الآية علي نحو الإشاعة أو يكون المذكورون مصرفا لها؟

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 64

أقول: الظاهر من قوله تعالي في آية الخمس، أن الخمس مملوك للمذكورين علي نحو الإشاعة لكن لا يمكن الالتزام به اذ لازم التقريب المذكور أن دينارا من الخمس مملوكا لملايين من فقراء السادة و لا يمكن الالتزام به فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور اللام في الملكية و جعلها للمصرف و بين رفع اليد عن ظهور الجمع المحلي في العموم و الالتزام بأن المالك هو الكلي فيكون الكلام مجملا.

و لكن يمكن أن يقال: بأن صدر الآية يدل علي كون سهم الإمام ملكا له

تعالي و للرسول و للإمام عليهما السّلام و وحدة السياق تقتضي وحدة المراد.

و من ناحية أخري يمكن أن يقال: أن ظهور اللام في الملكية في الصدر يكون قرينة علي كون المراد من الذيل هو الكلي لا كل شخص نظير قول القائل لا تضرب أحدا فإن ظهور الضرب في المؤلم يكون قرينة علي كون المراد من لفظ أحد الإنسان الحي.

أضف إلي ذلك أنّه كيف يمكن أن يكون كل واحد من المذكورين مالكا و الحال أن القضية لا تكون خارجية بل تكون حقيقية و من الظاهر أن أفراد الكلي و مصاديقه تختلف بحسب مرور الزمان فهل المال مملوك لأفراد عصر واحد أو جميع الأعصار؟

و كيف يتصور فلا إشكال في أن الأفراد لا يكونون مالكين و في بعض الكلمات نسب الي بعض أنه مال الي القول بكون الخمس و الزكاة مملوكين للحكومة الإسلامية و هذا القول مخالف مع نص الكتاب و الروايات الصريحة الواردة في الباب و الإجماع و السيرة و الارتكاز و ضرورة المذهب بل ضرورة الدين.

الفرع الخامس: أن اليد و الاستيلاء [هل تكون في مقام الثبوت سببا لحصولها أم لا]

كما أنها تكون في مقام الإثبات و الكشف أمارة و كاشفة عن الملكية هل تكون في مقام الثبوت سببا لحصولها أم لا؟

ما يمكن أن يقال في تقريب السببية وجوه:

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 65

الوجه الأول: أن الحيازة موجبة لحصول الملكية للحائز بالنسبة الي المحوز.

و فيه أن دليل الحيازة الموجبة لحصول الملكية إما السيرة و إما قوله: «من حاز شيئا ملك»، أما السيرة فحيث إنها لا لسان لها لا بدّ من الاقتصار علي القدر المتيقن من موردها و هو ما لو قصد الحائز التملك.

و أما الحديث فيحتمل أن يكون المراد ما ورد في حديث السكوني عن جعفر بن محمد عن

أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام أنه سئل عن رجل أبصر طيرا فتبعه حتي وقع علي شجرة فجاء رجل آخر فأخذه قال: للعين ما رأت و لليد ما أخذت «1» لكنه ضعيف.

الوجه الثاني: ما دلّ علي أحقية السابق لاحظ ما رواه محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجي فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي ء آخر فيصير مكانه قال: من سبق إلي موضع فهو أحقّ به يومه و ليلته «2».

و حديث طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الي مكان فهو أحق به الي الليل و كان لا يأخذ علي بيوت السوق كراء «3».

و الحديثان لا يرتبطان بالمقام أصلا كما هو ظاهر عند من له خبرة بالصناعة.

الوجه الثالث: حديث يونس بن يعقوب «4» بتقريب أن المستفاد منه أن الاستيلاء سبب لكون المستولي عليه مملوكا للمستولي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 15 من أبواب اللقطة، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 56 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1.

(3) نفس المصدر: الحديث 2.

(4) لاحظ ص 52.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 66

و فيه أولا: أن الحديث ضعيف بضعف إسناد الشيخ الي علي بن الحسن.

و ثانيا: أن المستفاد من الخبر أنه لو شك في المالك و أنّه من هو؟ يكون الاستيلاء كاشفا فيكون الحديث ناظرا إلي مقام الإثبات و الكلام في مقام الثبوت فلاحظ.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 67

القاعدة السادسة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

اشارة

الكلام في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده: يقع الكلام في المقام في جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: ان هذه القاعدة تنحل الي قاعدتين

الأولي قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و الثانية أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، و لا بد من التكلم في كل واحد منهما بنحو الاستقلال.

الجهة الثانية: في بيان المراد من القاعدتين

فنقول المراد من القاعدة الأولي أنه لو كان مقتضي العقد الضمان كالبيع أو الاجارة و أمثالهما إذا فرض فساد العقد يتحقق الضمان و المراد من القاعدة الثانية أنّ العقد لو لم يكن موجبا للضمان كالهبة أو العارية و أمثالهما أنه لو فرض فساد العقد لا يتحقق الضمان.

الجهة الثالثة: في مدرك القاعدة الأولي

: و الذي يمكن أن يقال أو قيل في تقريب الاستدلال عليها وجوه:

الوجه الأول: قاعدة الاقدام و قبل الخوض في البحث نقدم مقدمة و هي أن تحقق كل حكم وضعي يحتاج الي قيام دليل عليه و مع الشك تكون النتيجة عدمه كما هو الظاهر و إن شئت فقل الضمان امر حادث و مع الشك فيه يحكم بعدمه بالاستصحاب.

فنقول: تقريب الاستدلال بقاعدة الاقدام أنه لو باع زيد داره من عمرو بألف

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 68

دينار مثلا فقد أقدم علي كون المشتري للدار ضامنا في قبال ألف دينار فاذا فرض فساد البيع يبطل الضمان بالمثل أي الدينار و يبقي أصل الضمان أي الدار تكون مضمونة في يد المشتري.

و يرد عليه ان دليل صحة البيع يقتضي ضمان الدار بالدينار و المفروض بطلانه و الاقدام تعلق بهذا المقيد و غيره لم يتعلق به الاقدام مضافا الي أن أيّ دليل دل علي كون الاقدام بنفسه موجبا للضمان و بعبارة واضحة لا يجوز تملّك مال الغير الّا بأحد الاسباب الشرعية و لا دليل علي أن الاقدام بما هو يوجب الضمان و صفوة القول في المقام ان الاقدام لم يتعلق بالمثل أو القيمة و علي فرض تعلقه لا دليل علي كونه مؤثرا و مقتضي الأصل عدم تأثيره و الذي يدل علي المدعي أنه لو أقدم أحد علي ضمان تلف مال غيره و بني

عليه لا يكون ضامنا و لا أظن أن يدعي أحد كونه موجبا لضمان المقدم بل التفوه به يقرع الاسماع.

الوجه الثاني: النبوي المعروف: علي اليد ما أخذت حتي تؤديه «1» بتقريب أنّ المستفاد من الحديث ان من أخذ مال الغير يكون ضامنا لما أخذه الي زمان أدائه الي مالكه.

و يرد علي الاستدلال بالحديث أولا انّ الحديث ضعيف سندا فان أحد رواته سمرة و هو من الملاعين و الاشقياء فلا اعتبار بحديثه إن قلت ان الأمر و إن كان كذلك لكن عمل المشهور به يجبر ضعفه قلت: قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بالخبر الضعيف لا يجبر ضعفه كما ان اعراضهم لا يوجب و هن الخبر المعتبر كيف و قد ثبت في الأصول عدم اعتبار الشهرة الفتوائية فيكف يمكن ان ما لا يكون معتبرا في حد نفسه يكون جابرا لما لا اعتبار له أو يكون مسقطا لأمر معتبر أ ليس مرجعه

______________________________

(1) سنن البيهقي: ج 6 كتاب العارية ص 90 و كنز العمال: ج 5 ص 257 نقله عنهما مصباح الفقاهة: ج 3 ص 87.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 69

الي التناقض.

مضافا الي أنّ استنادهم في فتاويهم الي هذا الخبر غير معلوم و مجرد ذكرهم الخبر في كلماتهم لعله من باب كونه مؤيدا للمراد.

و ثانيا: ان المستفاد من الحديث انّ الثابت علي الآخذ ما أخذه الي زمان ادائه أي يكون تلفه بعهدته و بعبارة أخري الآخذ لعين مملوكة للغير ضامن لدركه الي زمان تأديته الي مالكه و لازم هذه القاعدة أنه لو وصل ما أخذه الي المالك بسبب آخر كما لو آخذه ثالث بغير اذن الآخذ و رده الي مالكه عدم رفع الضمان عن الآخذ إذ الغاية التي

توجب ارتفاع الضمان أن يؤديه الي مالكه و المفروض أنه لم يتحقق هذا المعني.

و ثالثا: انّ لازم المستفاد من الحديث أنه لو تعدد الآخذ كما لو كانوا عشرة و تلف ما أخذه في يد الأخير يكون جميع الأخذين ضامنين للمالك و هل يمكن الالتزام به.

إن قلت كيف لا يمكن الاستدلال علي المدعي بالنبوي المشهور و الحال ان جملة من الاساطين في كلماتهم اسندوا هذا الحديث الي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فانهم في مقام الاستدلال قالوا لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي اليد ما أخذت حتي تؤديه هذا من ناحية و من ناحية أخري ان الظاهر من الإخبار كونه حسيا فيكون الحديث معتبرا من حيث السند و بعبارة أخري بعد اسناد هؤلاء الاعلام كالشهيد و ابن زهرة و العلامة الحديث الي النبي الاكرم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و احتمال كون أخبارهم حسيا حيث أنه يمكن انّه وصل اليهم بواسطة كابر عن كابر يكون الحديث تاما سندا.

قلت: يرد علي التقريب المذكور أولا ان هذه الجملة لا تكون ظاهرة في الإسناد الحسي و لذا نري كثيرا ما يطلق في كلمات الأصحاب للنبوي و امثاله و الحال أن القائل لا يكون في مقام الاسناد و ثانيا ان الدليل علي حجية قول الثقة سيرة العقلاء

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 70

لا أنه هناك اطلاق أو عموم يؤخذ به فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منها فاذا فرض ان هذا الحديث كان مشهورا من قديم الزمان و لم يتعرض المحدثون لسنده و كانوا يعاملون معه معاملة المرسل و بعد ذلك أحد الفقهاء اسنده الي النبي صلّي اللّه عليه و آله

و سلّم بالاسناد الحسي مع كونه بعيدا لا نجزم بأن العقلاء يحملون مثل الخبر المشار إليه علي الحس و يعملون به فالنتيجة عدم امكان اثبات اعتباره صناعة الا أن يقال ان السيرة و إن كانت كذلك لكن يكفي لإثبات الاطلاق النصوص الدالة علي حجية قول الثقة اللهمّ الّا أن يقال: ان الأخبار الدالة علي حجيّة قول الثقة لا تكون حكما تأسيسا بل حكم امضائي لبناء العقلاء و سيرتهم فلا يكون مدلول الأخبار أوسع من مفاد السيرة و بعبارة واضحة انّ الأخبار ناظرة الي ما يكون مورد ارتكاز العقلاء فلاحظ و اغتنم.

الوجه الثالث: الروايات الواردة الدالة علي ان الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري أخذها صاحبها و أخذ المشتري ولده بالقيمة منها ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء مستحق للجارية فقال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد الذي اخذت منه «1» و منها ما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشتري جارية فاولدها فوجدت الجارية مسروقة قال:

يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته «2» و منها ما رواه زرارة قال:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء رجل فيقيم البينة علي آنها جاريته لم يبع و لم يهب قال فقال ان يرد إليه

______________________________

(1) الاستبصار: ج 3 ص 84 الباب 57 الحديث 1.

(2) الاستبصار: ج 3 ص 84 الباب 57 الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 71

جاريته و يعوّضه بما انتفع

قال كان معناه قيمة الولد «1» و منها ما رواه زرارة أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل اشتري جارية من سوق المسلمين فخرج بها الي أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم أنها له و أقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع اليه الجارية و يعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها «2» بتقريب انّ ضمان الولد مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأم بالأولية فتدل هذه الروايات الشريفة علي ان ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

و يرد عليه أولا ان هذه الروايات لا ترتبط بالمقام فانّ الضمان في مورد الروايات من الواضحات إذ الامة المبتاعة قد فرضت مغصوبة و البائع هو الغاصب و الكلام في المقام فيما لو باع العين المالك و ثانيا أنه لو اغمضنا النظر عن الجواب الأول و فرضنا ارتباط النصوص المشار إليها بالمقام لكن نقول الروايات الواردة في مورد خاص و اطار مخصوص و الكلام في المقام في الكبري الكلية و بعبارة واضحة ان الموجبة الجزئية لا تكون دليلا علي الكبري الكلية فلاحظ.

الوجه الرابع: الروايات الدالة علي عدم حلية مال امرء الّا بطيب نفسه و الدالة علي عدم جواز التصرف في مال الغير الّا باذنه منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث انّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال من كانت عنده أمانة فليؤدّها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الّا بطيبة نفسه «3» و منها ما في حديث آخر عن صاحب الزمان عليه السّلام قال: لا يحل لأحد أن يتصرف

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3.

(2)

نفس المصدر ص 85 الحديث 5.

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 72

في مال غيره بغير اذنه «1» بتقريب ان العقد لو لم يكن صحيحا لا تنتقل العين الي الطرف المقابل و تكون باقية في ملك المالك و المستفاد من هذه الروايات عدم حلية مال الغير الّا باذنه كما أنه لا يجوز التصرف في ماله الّا باذنه و حيث انه غير راض علي الفرض يكون تلقه موجبا للضمان.

و يرد علي التقريب المذكور انّ الحكم التكليفي لا يتعلق بالاعيان الخارجية و الظاهر من هذه الروايات حرمة التصرف كما صرح به في بعضها و بعبارة واضحة اذا استند الحكم التكليفي الي العين الخارجية لا بد من تقدير الفعل كي يصح الاستعمال فلا مجال للاستدلال بهذه الطائفة علي المدعي.

الوجه الخامس: النصوص الدالة علي ان حرمة مال المؤمن كحرمة دمه.

منها ما رواه أبو ذر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في وصية له قال: يا أبا ذر ايّاك و الغيبة فانّ الغيبة اشدّ من الزنا قلت و لم ذاك يا رسول اللّه قال: لأنّ الرجل يزني فيتوب الي اللّه فيتوب اللّه عليه و الغيبة لا تغفر حتّي يغفرها صاحبها يا أبا ذر سباب المسلم فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه من معاصي اللّه و حرمة ماله كحرمة دمه قلت يا رسول اللّه و ما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قلت يا رسول اللّه فان كان فيه الذي يذكر به قال اعلم انك اذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته و اذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته «2» و منها ما رواه أبو بصير عن أبي

جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه «3» بتقريب انّ إتلاف مال المؤمن مثل إتلاف نفسه يوجب الضمان.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الغصب الحديث 4.

(2) الوسائل الباب 152 من أبواب العشرة الحديث 9.

(3) الوسائل الباب 158 من أبواب العشرة الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 73

و يرد عليه ان الوجه المذكور علي فرض تماميته اخص من المدعي إذ الموضوع المذكور فيها عنوان المؤمن أي الشيعي الاثني عشري و الحال انّ البحث في المقام عام.

و ثانيا: انه علي تقدير تماميته يختص الضمان بصورة الإتلاف و الحال ان الكلام أعم من الإتلاف فيكون الدليل أخص من المدعي أيضا.

و ثالث انّ الجملة المذكورة ذكرت في سياق عدة أمور ظاهرة في الحكم التكليفي فلا ترتبط هذه الطائفة بالجهة الوضعية و إن أبيت عن ذلك فلا أقل من الاجمال إذ وحدة السياق لو لم تكن موجبة لانعقاد الظهور في الحكم التكليفي فلا أقل من كونه مانعا عن انعقاد في الحكم الوضعي و إن شئت فقل اقتران اللفظ بما يصلح للقرينية مانع عن الظهور فتكون الجملة مجملة فلاحظ.

إن قلت يمكن إثبات المدعي بتقريب آخر و هو انّ حرمة المال تقتضي عدم جواز المزاحمة حدوثا و بقاء و هذا و إن لم يفد الّا الحكم التكليفي ما دامت العين موجودة لكن عدم تدارك التالف نحو من المزاحمة فلا تجوز فيجب التدارك باداء البدل فبالنتيجة انّ هذه الطائفة و إن لم تدل علي الضمان بالمطابقة لكن تدل عليه بالالتزام.

قلت: تمامية التقريب المذكور تتوقف علي اشتغال الذمة بالتالف و تمام

الاشكال في اثبات هذه الجهة و إن شئت فقل ان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه بل لا بد من احرازه و ببيان آخر الموضوع مقدم علي الحكم رتبة و الحكم متوقف علي موضوعه فلو احتاج اثبات الموضوع الي الحكم يلزم الدور المحال.

الوجه السادس: انه قد ورود في جملة من النصوص أنه لا يصلح ذهاب حق أحد: منها ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل تجوز شهادة أهل الذمة علي غير أهل ملتهم؟ قال: نعم إن لم يوجد من أهل ملتهم

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 74

جازت شهادة غيرهم أنه لا يصلح ذهاب حق أحد «1» و منها ما رواه سماعة قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة أهل الملة قال، فقال: لا تجوز الّا علي أهل ملتهم فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم علي الوصية لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد «2» و قد حقق عندهم ان العلة تعمم فبعموم العلة نحكم في المقام بالضمان كي لا يذهب حق المالك.

و يرد عليه ان التقريب المذكور يتوقف علي أمرين أحدهما أن يكون المراد من الحق المال، ثانيهما ان يكون المراد من عدم صلاح ذهابه الضمان و كلا الأمرين محل الاشكال و لا شاهد عليهما أضف الي ذلك أنه لا يشمل صورة التلف و يختص بالاتلاف يضاف الي جميع ذلك ان الحديث الرابع من الباب غير تام سندا.

الوجه السابع: قاعدة لا ضرر المستفاد من عدة نصوص: منها ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن و قال:

لا ضرر و لا ضرار و قال اذا ارّفت الأرف و حدّت الحدود فلا شفعة «3» و منها ما رواه أبو عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر عليه السّلام كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان اذا جاء الي نخلته ينظر الي شي ء من أهل الرجل يكرهه الرجل قال: فذهب الرجل الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فشكاه فقال يا رسول اللّه ان سمرة يدخل عليّ بغير اذني فلو ارسلت اليه فامرته ان يستأذن حتي تأخذ اهلي حذرها منه فارسل إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فدعاه فقال يا سمرة ما شأن فلان يشكوك و يقول يدخل بغير اذني فتري من أهله ما يكره ذلك يا سمرة استأذن اذا أنت دخلت ثم قال رسول

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الشهادات الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الشهادات الحديث 4.

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الشفعة الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 75

اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يسرّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك قال: لا قال لك ثلاثة قال لا قال ما أراك يا سمرة الّا مضارّا اذهب يا فلان فاقطعها و اضرب بها وجهه «1» و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار و كان منزل الأنصاري بباب البستان فكان يمرّ به الي نخلته و لا يستأذن فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبي سمرة فلما تأبّي جاء الانصاري الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فشكا إليه و

خبره الخبر فأرسل إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خبّره بقول الأنصاري و ما شكا و قال اذا أردت الدخول فاستأذن فأبي فلما أبي ساومه حتي بلغ به من الثمن ما شاء اللّه فابي ان يبيع فقال لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبي أن يقبل فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر و لا ضرار «2» و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام نحوه الّا أنه قال: فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رجل مضارّ و لا ضرر و لا ضرار علي مؤمن قال ثم أمر بها فقلعت و رمي بها اليه فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم انطلق فاغرسها حيث شئت «3» و منها ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: لا ضرر و لا ضرار «4» و منها ما عن دعائم الإسلام: روينا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن جدار لرجل و هو سترة بينه و بين جاره سقط فامتنع من بنيانه قال: ليس يجبر علي ذلك الا أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الاخري بحق أو بشرط في أصل الملك و لكن يقال لصاحب المنزل استر علي نفسك في حقك ان شئت قيل له فان

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 76

كان الجدار لم يسقط و لكنه هدمه أو أراد

هدمه اضرارا بجاره لغير حاجة منه الي هدمه قال: لا يترك و ذلك ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا ضرر و لا ضرار و انّ هدمه كلّف ان يبنيه «1» و منها ما عن دعائم الإسلام: و روينا عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا ضرر و لا ضرار «2» بتقريب انّ المستفاد من هذه القاعدة ان الحكم الضرري لم يجعل في الشريعة و حيث انّ عدم الحكم بالضمان ضرري علي المالك ينفي و النفي في النفي يقتضي الاثبات: أقول المعتبر في هذه النصوص الحديث الثالث «3» من الباب الثاني عشر و قد ذكرنا في بحث القاعدة انّ الحق هو الالتزام بان المستفاد من الحديث النهي عن الضرر و الاضرار بالغير و لا يكون الحديث ناظرا الي ادلة الأحكام و حاكما عليها و تفصيل هذه الجهة موكول الي ذلك البحث و من اراد التفصيل فليراجع ما حققناه في المجلد الثاني من كتابنا الموسوم بآرائنا في اصول الفقه هذا أولا، و ثانيا أنه علي فرض الاغماض عما تقدم و سلمنا كون الحديث ناظرا الي الأحكام فانما يكون ناظرا الي الأحكام المجعولة و المفروض أن عدم الجعل لا يكون من مصاديق المجعولات و ثالثا أنّه يقع التعارض بين الطرفين فان الحكم بعدم الضمان علي الآخذ يقتضي الضرر علي المالك و أيضا الحكم بالضمان يقتضي الضرر علي الآخذ و لا وجه للترجيح و رابعا ان الضمان علي تقدير القول به بمقتضي التقريب المتقدم و اغماض النظر عن الاشكال المتقدم، يختص بصورة الإتلاف أو الانتفاع

و الحال أن المدعي أعم أي الضمان حتي مع التلف السماوي فهذا الوجه أيضا لا يترتب عليه أثر.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: ج 17 ص 118 الباب 9 من أبواب احياء الموات الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) لاحظ ص 75.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 77

الوجه الثامن: السيرة العقلائية بتقريب ان العقلاء بما هم كذلك يرون الآخذ ضامنا للبدل في صورة تلف العين هذا من ناحية و من ناحية أخري ان الشارع الأقدس لا يكون له قانون خاص في قبال القوانين العقلائية فاذا فرض تحقق السيرة و لم يردع عنها الشارع نكشف أنه أمضاه و بعبارة أخري مجرد عدم الردع لا يكون كافيا بل الأمر متوقف علي الامضاء و حيث ان الشارع يري سيرة العقلاء و لم يردع يكشف عن امضائه فيتم الأمر و يثبت المدعي.

أقول: التقريب المذكور تام و لكن لا ينطبق علي المقام و ببيان جلي اثبات المدعي بالتقريب المذكور يتوقف علي عدم الردع و الحال أن الشارع ردع هذه السيرة بقوله تعالي: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1».

توضيح المقام ان المستفاد من الآية الشريفة ان تملك مال الغير بايّ سبب كان يكون فاسدا و السبب الوحيد عبارة عن التجارة عن تراض فتملك المالك بدل العين من الآخذ أكل بالباطل فيكون فاسدا فالسيرة علي فرض تماميتها مردوعة بالآية و لعمري ما افدته في هذا المقام في كمال الجودة و الدقة فما الحيلة و ما الوسيلة.

الوجه التاسع: و هو الوجه الأخير ارتكاز المتشرعة بما هم كذلك.

ان قلت الآية الشريفة تردع الارتكاز قلت أين ذهبت فان المدعي انّ المتشرعة بما هم كذلك يرون الآخذ في مفروض الكلام ضامنا و

حيث انجر الكلام الي هنا ننبّه بنكتة و هي انه فرق بين السيرة العقلائية و الارتكاز الشرعي أو السيرة الجارية بين المتشرعة فان السيرة العقلائية لا ترتبط بالشرع و لكن الارتكاز الشرعي أو السيرة الجارية بين أهل الشرع من الشرع و من الشارع و ينبغي أن

______________________________

(1) النساء: 29.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 78

يحفظ علي التحقيق المذكور و يستفاد منه في جملة من الموارد و اللّه وليّ التوفيق هذا تمام الكلام في القاعدة الأولي.

و أما الكلام في القاعدة الثانية:

و هي ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده: فربما يقال في وجه عدم الضمان أنه اذا فرض العقد صحيحا لا يوجب الضمان فلا ضمان في فاسده بالأولوية و التقريب المذكور فاسد إذ عدم الضمان في صورة الصحة من باب ان العين تصير مملوكة للطرف المقابل بالعقد و من الواضح ان المالك لا يكون ضامنا لمملوكه و أما في فرض الفساد فان المفروض بقاء العين في ملك مالكها فلا جامع بين المقامين و كل منهما يباين الآخر و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال لا موجب للضمان أما حديث علي اليد فقد تقدم انه غير تام سندا و لا سيرة علي الحكم بالضمان لا من العقلاء و لا من اهل الشرع و إذا وصلت النوبة الي الشك يكون مقتضاه عدم الضمان هذا بالنسبة الي تلف العين و أما في صورة الإتلاف فالظاهر أنه يشكل الجزم بعدم الضمان إذ مقتضي قاعدة الاتلاف كون المتلف ضامنا، و اللّه العالم بحقائق الأمور و عليه التوكل و التكلان.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 79

القاعدة السابعة قاعدة الاشتراك في التكاليف

اشارة

و ما يمكن أن يقال أو قيل في تقريب المدعي وجوه:

[وجوه البحث]

الوجه الأول: أنه لو ثبت حكم لطائفة و شك في بقاء ذلك الحكم

و شموله للموجودين بعد ذلك الزمان يحكم ببقائه بالاستصحاب.

و يرد عليه أولا: أنه لا يمكن اجراء حكم مترتب علي موضوع علي موضوع آخر بالاستصحاب فانه لا دليل عليه و لذا نقول يعتبر في الاستصحاب اتحاد الموضوع و ثانيا ان استصحاب الحكم الكلي دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فهذا الوجه لا اعتبار به.

الوجه الثاني: اتفاق الفقهاء علي عدم الاختصاص و اشتراك جميع المكلفين في الاحكام الشرعية

و يرد عليه ان مرجعه الي الاجماع و قد ثبت في محله عدم اعتبار الاجماع الا أن يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام.

الوجه الثالث: تنقيح المناط

و إن شئت قلت ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح و المفاسد في متعلقاتها فاذا ثبت حكم بالنسبة الي شخص يكون ثابتا بالنسبة الي غيره.

و يرد عليه ان الملاكات الشرعية مجهولة عندنا و لذا نري تغاير الأحكام و اختلافها من جهات عديدة و العالم بها علام الغيوب.

الوجه الرابع: قول الصادق عليه السّلام في حديث: فكل نبيّ جاء بعد المسيح

أخذ

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 80

بشريعته و منهاجه حتي جاء محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجاء بالقرآن و بشريعته و منهاجه فحلاله حلال الي يوم القيامة و حرامه حرام الي يوم القيامة «1» و الانصاف أنه لا يستفاد المدعي من هذه الرواية فان المراد منها بحسب الظهور ان الحكم الالهي في الشريعة المحمدية لا يختص بزمان خاص و لا يكون محدودا من حيث الزمان و ليس ما شرع في هذه الشريعة مثل ما جعل في بقية الشرائع و أما كون المكلفين مشتركين في كل حكم شرعي اسلامي فلا يستفاد من الحديث.

الوجه الخامس: ما رواه ابان عن سلمان

حين نقل خطبة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الي أن قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفارقونه حتي يردوا عليّ الحوض فليبلّغ الشاهد الغائب الحديث «2».

تقريب الاستدلال بالحديث قول النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في آخر الرواية فليبلّغ الشاهد الغائب إذ يستفاد من هذه الجملة أنه يجب علي الحاضرين اخبار الغائبين فيعلم اشتراك جميع المكلفين في الأحكام الشرعية و الّا لم يكن وجه لوجوب تبليغ الحاضرين الغائبين و الاستدلال علي المدعي بهذا التقريب من غرائب الاستدلالات إذ لا كلام و لا ريب ان رسول الإسلام رسول و نبي لجميع الامة و لا اشكال في ان الائمة الاثني عشر ائمة و أولياء علي جميع الخلق و قوام اسلام كل مسلم به و إن شئت فقل لا كلام في ان الإسلام بما ذا يتحقق و لا كلام في المقام في أن اصول الدين بما ذا تتحقق انما الكلام في ان الاحكام الفرعية الثابتة لفرد أو

جماعة لا تختص بموردها بل جميع المكلفين مشتركون في تلك الأحكام و جميع الفروع الشرعية مشتركة بين جميع الأفراد.

الوجه السادس: ما رواه ابن طاوس نقلا من كتاب الوصية

للشيخ عيسي بن

______________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 17 الحديث 2.

(2) بحار الأنوار: ج 22 ص 148- 150 الحديث 142.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 81

المستفاد الضرير عن موسي بن جعفر عن أبيه عليه السّلام في نقل خطبة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال في جملة كلام له ايها الناس اسمعوا وصيتي من آمن بي و صدّقني بالنبوة و أنّي رسول اللّه فاوصيه بولاية علي بن ابي طالب و طاعته و التصديق له فان ولايته ولايتي و ولاية ربي قد ابلغتكم فليبلّغ الشاهد الغائب، الحديث «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث ذلك التقريب و الجواب هو الجواب فلا نعيد.

الوجه السابع: ان الأحكام الشرعية مجعولة علي المكلفين من الازل

علي نحو القضية الحقيقية لا بنحو القضية الخارجية مثلا قوله تعالي: وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «2» يشمل جميع من يكون مستطيعا و لا يختص بجماعة خاصة و افراد مخصوصين كي نحتاج الي قاعدة الاشتراك و في الحقيقة ان الوجه المذكور يهدم القاعدة.

أقول: الاستدلال بالمدعي بالوجه المذكور اغرب و اعجب من سابقه إذ الكلام في هذه القاعدة لا يكون بالنسبة الي مقام الثبوت إذ ذلك المقام معلوم عند اللّه و من يكون متصلا بعالم الوحي و لا يكون الكلام في الادلة العامة أو المطلقة في مقام الاثبات إذ مع احراز الاشتراك بالعموم أو الاطلاق لا مجال للبحث و القيل و القال انما الكلام فيما ثبت تكليف لشخص أو جماعة فنتكلم في ان ذلك الحكم هل يشمل غير مورده من بقية آحاد المكلفين أم لا و اللّه وليّ التوفيق.

الوجه الثامن: الأحاديث التي تدل علي ارجاع المعصوم عليه السّلام الناس الي رواة الحديث

منها ما رواه أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته و قلت من أعامل و عمن آخذ و قول من أقبل؟ فقال العمري ثقتي فما ادّي إليك عنّي

______________________________

(1) بحار الأنوار: ج 22 ص 476- 478 الحديث 27.

(2) آل عمران: 97.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 82

فعنّي يؤدّي و ما قال لك عني فعنّي يقول فاسمع له و أطع فانه الثقة المأمون، قال و سألت أبا محمد عليه السّلام عن مثل ذلك فقال العمري و ابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤديان و ما قالا لك فعنّي يقولان فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المأمونان الحديث «1».

و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة فقال: الق عبد الملك بن جريح

فسله عنها فان عنده منها علما فلقيته فأملي عليّ شيئا كثيرا في استحلالها و كان فيما روي فيها ابن جريح أنه ليس لها وقت و لا عدد الي ان قال فاتيت بالكتاب أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال صدق و اقرّ به «2» و منها ما رواه عبد اللّه بن ابي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انه ليس كل ساعة القاك و لا يمكن القدوم و يجئ الرجل من اصحابنا فيسألني و ليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من أبي و كان عنده وجيها «3» و منها ما رواه علي بن المسيب الهمداني قال:

قلت للرضا عليه السّلام شقّتي بعيدة و لست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني قال من زكريّا ابن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا قال علي بن المسيب فلما انصرفت قدمنا علي زكريا بن آدم فسألته عمّا احتجت اليه «4» و منها ما رواه محمد بن عيسي عن عبد العزيز بن المهتدي و الحسن بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا عليه السّلام قال: قلت لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 4.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.

(3) نفس المصدر الحديث 23.

(4) نفس المصدر الحديث 27.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 83

من معالم ديني فقال نعم «1» فان ارجاع الامام عليه السّلام الناس الي رواة الحديث يستلزم الاشتراك في التكليف و هذا التقريب غير تام اذ

المستفاد من هذه الأحاديث ان الأحكام الشرعية تؤخذ من الرواة الثقات و كلامنا في المقام انه لو ثبت حكم لفرد من آحاد المكلفين أو جماعة منهم هل يشترك غيرهم معهم في ذلك الحكم أم لا و لا ارتباط بين المقامين أصلا.

الوجه التاسع: ما رواه أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

الي أن قال:

لأن حكم اللّه عزّ و جلّ في الأولين و الآخرين و فرائضه عليهم سواء الّا من علة أو حادث يكون و الأولون و الآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء و الفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون من اداء الفرائض عما يسأل عنه الأولون و يحاسبون عما به يحاسبون الحديث «2» فانه قد صرح في الحديث بعدم الفرق بين الأولين و الآخرين في فرائض اللّه و أحكامه و جميع الخلق مشتركون في حكم اللّه و هذا هو المدعي في المقام.

و يرد علي التقريب المذكور ان الحديث المشار اليه غير تام سندا فان بكر بن صالح لم يوثق فاذا فرض كون بقية رواة الحديث ثقاة يكفي لعدم الاعتبار عدم اعتبار واحد من الرواة الواقعين في السند.

الوجه العاشر: ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السّلام

قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم اوصي الشاهد من أمّتي و الغائب منهم و من في اصلاب الرجال و ارحام النساء الي يوم القيامة ان يصل الرحم و ان كانت منه علي مسيرة سنة فان ذلك من الدين «3» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان وجوب صلة الرحم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 33.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب جهاد العدو الحديث 1.

(3) بحار الأنوار: ج 74 ص 114 الحديث 73 و الكافي ج 2 ص 151 الحديث 5.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 84

لا يختص بطائفة خاصة و حيث أنه لا فرق بين هذا الحكم و بقية الأحكام نلتزم بالاشتراك.

و هذا الاستدلال كما تري من غرائب الاستدلالات و البراهين إذ لو كان الأمر كذلك و نجزم بعدم الفرق بين الأحكام فلا نحتاج الي التوسل الي هذه الرواية بل الأحكام المشتركة و العامة الي ما شاء اللّه

فان الصلوات اليومية واجبة علي جميع الآحاد من المكلفين و قس عليها صوم شهر رمضان و الحج و حرمة شرب الخمر و الزنا و امثالها أعاذنا اللّه من الزلل و وفقنا لما يحب و يرضي و العمدة في الاشكال انه بأيّ تقريب يمكن تعميم حكم وارد في خصوص شخص الي بقية الآحاد.

اذا عرفت ما تقدم نقول: تارة يكون لسان الدليل علي نحو يشمل المكلفين كقوله تعالي: وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1» و قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» و أمثال ما ذكر و اخري ليس الأمر كذلك بان لا يشمل الدليل الا شخصا أو اشخاصا كما يكون الامر كذلك في نصوص كثيرة الي ما شاء اللّه منها ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الاذان و قد دخل في الاقامة قال يمضي قلت رجل شك في الاذان و الاقامة و قد كبّر قال يمضي قلت رجل شك في التكبير و قد قرأ قال يمضي قلت شك في القراءة و قد ركع قال يمضي قلت شك في الركوع و قد سجد قال يمضي علي صلاته ثم قال يا زرارة اذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء «3» و منها ما رواه محمد بن أبي حمزة عن عبد الرحمن بن الحجاج و علي جميعا عن أبي ابراهيم عليه السّلام في السهو في الصلاة قال تبني علي اليقين

______________________________

(1) آل عمران: 97.

(2) المائدة: 1.

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الخلل الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 85

و تأخذ بالجزم و تحتاط بالصلوات كلها «1» و منها ما رواه عبد

اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: اذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاقض الذي فاتك سهوا «2» و منها ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل و انه اصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك انه أصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة ثم نسي ان يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلي فاجابه بجواب قرأته بخطه اما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء الّا ما تحقق فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل ان الرجل اذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت و اذا كان جنبا أو صلي علي غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد فاعمل علي ذلك ان شاء اللّه «3» و منها ما رواه زرارة قال: قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من مني فعلمت اثره الي أن أصيب له الماء فاصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم اني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة و تغسله قلت فاني لم أكن رأيت موضعه و علمت انه اصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله و تعيد الحديث «4» و منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان أصاب ثوبك خمر أو نبيذ

يعني المسكر فاغسله و ان صليت فيه فأعد

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 7.

(3) الوسائل الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث 1.

(4) الوسائل الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 86

صلاتك «1».

و منها ما رواه زرارة قال: قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو شي ء من مني الي أن قال ان رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة قال تنقض الصلاة و تعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت علي الصلاة لأنك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك «2» و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان رأيت في ثوبك دما و انت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك فاذا انصرفت فاغسله قال و إن كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و اعد صلاتك «3» و منها ما رواه قاسم الصيقل قال: كتبت الي الرضا عليه السّلام اني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فاصلّي فيها فكتب عليه السّلام إليّ اتخذ ثوبا لصلاتك فكتبت الي ابي جعفر الثاني عليه السّلام اني كتبت الي ابيك عليه السّلام بكذا و كذا فصعب عليّ ذلك فصرت اعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب عليه السّلام إليّ كل أعمال البر بالصبر يرحمك اللّه فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس «4» و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال اذا رميت و سميت فانتفع

بجلده و اما الميتة فلا «5» و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السّلام في حديث قال: سألته عن رجل اشتري ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان

______________________________

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب النجاسات الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث 1.

(3) الوسائل الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث 3.

(4) الوسائل الباب 49 من أبواب النجاسات الحديث 1.

(5) نفس المصدر الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 87

هل تصلح الصلاة فيه قال ان اشتراه من مسلم فليصل فيه و ان اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتي يغسله «1» و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال اشتر و صل فيها حتي تعلم انه ميت بعينه «2» و منها ما رواه الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام اعترض السوق فاشتري خفا لا ادري أ ذكي هو أم لا قال صل فيه قلت فالنعل قال مثل ذلك قلت اني أضيق من هذا قال أ ترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السّلام يفعله «3» و ندعي ان هذه النصوص و إن كانت متعرضة لحكم شخص خارجي و مكلف معين و ليس فيها عموم أو اطلاق بحسب الموازين و لكن مع ذلك يستفاد منها الحكم لعامة المكلفين و هذا العرف ببابك و الوجه في هذا المدعي ان العرف بما هو كذلك يفهم ان السؤال و إن كان عن الشخص الخارجي لكن لا بما هو ابن بكر أو والد خالد أو نجفي أو مدنيّ.

الي غير ذلك من المشخصات بل بعنوان انه فرد من افراد المكلفين.

و إن شئت فقل

لا يفرق العرف بين ان يكون السؤال عن نفسه بقوله غسلت يدي بماء الورد و بين ان يقول رجل غسل يده بماء الورد و بين ان يقول شخص غسل يده بماء الورد.

و الذي يدل علي هذه المقالة بوضوح انه لو سئل أحد مقلّده بأن يقول له غسلت يدي بماء الورد ما حكمه و اجابه المجتهد بان الغسل لا بد ان يكون بالماء المطلق يفهم العرف ان السؤال عن الحكم الشرعي العام و هذا الذي أقول واضح و لا مجال للتأمل فيه و بهذا التقريب يتم الامر و نحكم بالاشتراك الا فيما قام الدليل

______________________________

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 9.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 88

علي خلاف هذا الظهور كما هو كثير أيضا فانه يفترق حكم المرأة عن الرجل في أحكام الصلاة و في كثير من الأحكام.

و يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر أيضا و هو ارتكاز اهل الشرع بان الأحكام الشرعية عامة لجميع المكلفين الا في موارد قيام الدليل علي الخلاف و العرف الشرعي و السوق الارتكازي نصب عينيك كما انه يمكن اثبات المدعي بوجه ثالث و هو انه لا اشكال في ان كل من يكون بالغا عاقلا مكلف بتكاليف و لا يكون مطلق العنان و مرسلا بلا قيد هذا من ناحية و من ناحية اخري أنه لو كان تغاير بين المكلفين في الأحكام كان علي الشارع الأقدس البيان و الاعلام و حيث لم يعلم و لم يظهر التفريق من قبله يعلم و يكشف ان الحكم المترتب علي شخص مترتب علي غيره أيضا و إن أبيت عن جميع ذلك نقول إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ*

… وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ* هذا تمام الكلام في هذه القاعدة و يقع الكلام ان شاء اللّه تعالي في قاعدة نجاسة الكافر و عدمها.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 89

القاعدة الثامنة قاعدة نجاسة الكافر و عدمها

اشارة

و يقع الكلام في هذه القاعدة من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في بيان مفهوم الكافر

و توضيح المراد منه فنقول المستفاد من اللغة ان الكافر عبارة عن الانكار و عبارة عن الستر و بهذا الاعتبار يقال و يطلق عنوان الكافر علي من ينكر الالوهية و الرسالة و اما من حيث النصوص الواردة في المقام فهي مختلفة و علي طوائف: الطائفة الأولي: ما يدل علي ان الإسلام متقوم بالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية: منها ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بني الإسلام علي خمس علي الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية و لم يناد بشي ء كما نودي بالولاية «1» و منها ما رواه عجلان أبي صالح قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اوقفني علي حدود الايمان فقال شهادة أن لا إله إلّا اللّه و انّ محمدا رسول اللّه و الاقرار بما جاء به من عند اللّه و صلاة الخمس و اداء الزكاة و صوم شهر رمضان و حج البيت و ولاية وليّنا و عداوة عدوّنا و الدخول مع الصادقين «2» و منها ما رواه فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بني الإسلام علي خمس علي الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية و لم يناد

______________________________

(1) الكافي: ج 2 باب دعائم الإسلام ص 18 الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 90

بشي ء كما نودي بالولاية فأخذ الناس باربع و تركوا هذه يعني الولاية «1» و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بني الإسلام علي خمسة أشياء علي الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية قال زرارة فقلت و

ايّ شي ء من ذلك أفضل فقال الولاية افضل لأنها مفتاحهنّ و الوالي هو الدليل عليهن «2».

عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بني الإسلام علي خمس: الولاية و الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان و الحج «3» و منها ما رواه فضيل عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بني الإسلام علي خمس: الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية و لم ينادي بشي ء ما نودي بالولاية يوم الغدير «4» و منها ما رواه عيسي بن السريّ قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام اذا أنا أخذت بها زكي عملي و لم يضرّني جهل ما جهلت بعده فقال: شهادة أن لا إله الّا اللّه و انّ محمدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الاقرار بما جاء به من عند اللّه و حق في الأموال من الزكاة و الولاية التي أمر اللّه عزّ و جلّ بها ولاية آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال: من مات و لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية، قال اللّه عزّ و جلّ:

أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «5» فكان علي عليه السّلام ثم صار من بعده حسن ثم من بعده حسين ثم من بعده علي بن الحسين ثم من بعده محمد بن علي ثم هكذا يكون الأمر ان الأرض لا تصلح الّا بامام و من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية و أحوج ما يكون أحدكم الي معرفته اذا بلغت

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 5.

(3) الكافي: ج 2 باب دعائم

الإسلام الحديث 7.

(4) نفس المصدر الحديث 8.

(5) النساء: 59.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 91

نفسه هاهنا قال و اهوي بيده الي صدره يقول حينئذ لقد كنت علي أمر حسن «1» و منها ما رواه أبو بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال له جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض اللّه عزّ و جلّ علي العباد ما لا يسعهم جهله و لا يقبل منهم غيره ما هو؟ فقال أعد عليّ فأعاد عليه فقال شهادة أن لا إله الّا اللّه و انّ محمدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و أقام الصلاة و ايتاء الزكاة و حج البيت من استطاع اليه سبيلا و صوم شهر رمضان ثم سكت قليلا ثم قال و الولاية مرتين ثم قال هذا الذي فرض اللّه علي العباد و لا يسأل الربّ العباد يوم القيام فيقول ألا زدتني علي ما افترضت عليك و لكن من زاد زاده اللّه ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سنّ سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الأخذ بها «2» و منها ما رواه عمرو بن حريث قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو في منزل أخيه عبد اللّه بن محمد فقلت له: جعلت فداك ما حوّلك الي هذا المنزل قال: طلب النزهة فقلت: جعلت فداك الا أقصّ عليك ديني فقال: بلي قلت أدين اللّه بشهادة أن لا إله الّا اللّه وحده لا شريك له و انّ محمدا عبده و رسوله وَ أَنَّ السّٰاعَةَ آتِيَةٌ لٰا رَيْبَ فِيهٰا وَ أَنَّ اللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ و إِقٰامِ الصَّلٰاةِ وَ إِيتٰاءِ الزَّكٰاةِ و صوم شهر رمضان و حج البيت

و الولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الولاية للحسن و الحسين و الولاية لعلي بن الحسين و الولاية لمحمد بن علي و لك من بعده صلوات اللّه عليهم أجمعين و انكم ائمتي عليه أحيا و عليه أموت و أدين اللّه به فقال: يا عمرو هذا و اللّه دين اللّه و دين آبائي الذي أدين اللّه به في السرّ و العلانية فاتّق اللّه و كفّ لسانك الّا من خير و لا تقل أني هديت نفسي بل اللّه هداك فادّ شكر ما أنعم اللّه عزّ و جلّ

______________________________

(1) الكافي: ج 2 باب دعائم الإسلام الحديث 9.

(2) الكافي: ج 2 باب دعائم الإسلام الحديث 11.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 92

به عليك و لا تكن ممن اذا أقبل طعن في عينه و اذا أدبر طعن في قفاه و لا تحمل الناس علي كاهلك فانك أو شك ان حملت الناس علي كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك «1».

الطائفة الثانية: ما يدل علي ان من صدق و شهد بالتوحيد و الرسالة يكون مسلما و يجري عليه أحكام الإسلام: منها ما رواه سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان فقال ان الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال الإسلام بشهادة أن لا إله الّا اللّه و التصديق برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة الناس و الايمان الهدي و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام و ما ظهر من العمل به و الايمان أرفع

من الإسلام بدرجة ان الايمان يشارك الإسلام في الظاهر و الإسلام لا يشارك الايمان في الباطن و ان اجتمعا في القول و الصفة «2» فان المستفاد من هذه الطائفة ان من شهد بالتوحيد و صدّق رسالة رسول الإسلام تجري عليه أحكام الإسلام و هو مسلم.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي كفر من لا يكون شيعيا اثني عشريا: منها ما رواه المفضل بن عمر قال: دخلت علي أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام و عليّ ابنه في حجره و هو يقبّله و يمص لسانه و يضعه علي عاتقه و يضمّه إليه و يقول بأبي أنت ما أطيب ريحك و اطهر خلقك و أبين فضلك الي أن قال قلت هو

______________________________

(1) الكافي: ج 2 باب دعائم الإسلام الحديث 14.

(2) الكافي: ج 2 ص 25 باب ان الايمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الايمان الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 93

صاحب هذا الأمر من بعدك قال: نعم من اطاعه رشد و من عصاه كفر «1» و منها ما رواه أبو حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: منّا الامام المفروض طاعته من جحده مات يهوديا أو نصرانيا الحديث «2» و منها ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام ان اللّه جعل عليا عليه السّلام علما بينه و بين خلقه ليس بينه و بينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا «3» و منها ما رواه محمد بن حسان عن محمد بن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: عليّ عليه السّلام باب هدي من خالفه كان كافرا

و من أنكره دخل النار «4» و منها ما رواه مروان بن مسلم قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام الامام علم فيما بين اللّه عزّ و جلّ و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من انكره كان كافرا «5» و منها ما رواه سدير قال: قال أبو جعفر عليه السّلام في حديث ان العلم الذي وضعه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عند علي عليه السّلام من عرفه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا ثم كان من بعده الحسن عليه السّلام بتلك المنزلة الحديث «6» و منها ما رواه صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لمّا نزلت الولاية لعلي عليه السّلام قال رجل من جانب الناس فقال: لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلها الّا كافر الي أن قال: فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هذا جبرئيل عليه السّلام «7» و منها ما رواه يحيي بن

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 11.

(3) نفس المصدر الحديث 13.

(4) نفس المصدر الحديث 14.

(5) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 18.

(6) نفس المصدر الحديث 19.

(7) نفس المصدر الحديث 25.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 94

القاسم عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال ائمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم الي أن قال المقر بهم مؤمن و المنكر لهم كافر «1» و منها ما رواه موسي بن عبد ربه عن الحسين بن علي عليهما السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه

و آله و سلّم في حديث قال: من زعم انه يحبّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لا يحبّ الوصي فقد كذب و من زعم انه يعرف النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لا يعرف الوصي فقد كفر «2» و منها ما رواه أبو خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: قلت له:

كم الائمة بعدك قال ثمانية لان الائمة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم اثنا عشر الي أن قال: و من ابغضنا و ردّنا أو ردّ واحدا منّا فهو كافر باللّه و بآياته «3» و منها ما رواه ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ثلاثة لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ من ادّعي امامة من اللّه له و من جحد اماما من اللّه و من زعم انّ لهما في الإسلام نصيبا «4» و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: من اصبح من هذه الأمة لا امام له من اللّه أصبح تائها متحيرا ضالا ان مات علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق «5» و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له: أ رأيت من جحد اماما منكم ما حاله فقال من جحد اماما من الائمة و برئ منه و من دينه فهو كافر (و مرتد) عن الإسلام لان الامام من اللّه و دينه دين اللّه و من برئ من دين اللّه فدمه مباح في تلك الحالة الا أن يرجع أو يتوب الي اللّه مما

______________________________

(1) نفس

المصدر الحديث 27.

(2) نفس المصدر الحديث 28.

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 29.

(4) نفس المصدر الحديث 34.

(5) نفس المصدر الحديث 37.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 95

قال «1» و منها ما رواه أحمد بن محمد بن مطهر قال: كتب بعض أصحابنا الي أبي محمد عليه السّلام يسأله عمّن وقف علي أبي الحسن موسي عليه السّلام فكتب لا تترحم علي عمّك و تبرأ منه انا الي اللّه منه برئ فلا تتولهم و لا تعد مرضاهم و لا تشهد جنائزهم وَ لٰا تُصَلِّ عَليٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً من جحد اماما من اللّه أو زاد اماما ليست امامته من اللّه كان كمن قال: إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ «2» ان الجاحد امر آخرنا جاحد أمر أوّلنا الحديث «3» و منها ما رواه أبو سلمة عن عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: من عرفنا كان مؤمنا و من أنكرنا كان كافرا و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا «4» و منها ما رواه الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من مات و لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية قال: نعم قلت جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف امامه قال: جاهلية كفر و نفاق و ضلال «5» و منها ما رواه أبو حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول انّ عليا عليه السّلام باب فتحه اللّه عزّ و جلّ فمن دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا و من لم يدخله فيه و لم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال اللّه تبارك و تعالي: فيهم المشيئة

«6» و منها ما رواه ابن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوٰاهُ بِغَيْرِ هُديً مِنَ اللّٰهِ «7» قال يعني

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 38.

(2) المائدة: 73.

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 40.

(4) نفس الحديث الحديث 43.

(5) نفس المصدر الحديث 47.

(6) نفس المصدر الحديث 49.

(7) القصص: 50.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 96

من اتخذ دينه رأيه بغير امام من ائمة الهدي «1» و منها ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ان اللّه عزّ و جلّ نصب عليا عليه السّلام علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من جهله كان ضالا و من نصب معه شيئا كان مشركا و من جاء بولايته دخل الجنة «2» و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كل من دان اللّه بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من اللّه فسعيه غير مقبول و هو ضال متحيّر و اللّه شانئ لا عماله و مثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها و قطيعها فهجمت ذاهبة و جائية يومها فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها فحنت إليها و اغترت بها فباتت معها في ربضتها فلمّا أن ساق الراعي قطيعة انكرت راعيها و قطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها و قطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت اليها و اغترّت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك و قطيعك فانك تائهة متحيرة عن راعيك و قطيعك فهجمت ذعرة متحيرة نادة لا راعي لها يرشدها الي مرعاها أو يردها فبينا هي كذلك

اذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها و كذلك و اللّه يا محمد من اصبح من هذه الامة لا امام له من اللّه جلّ و عزّ ظاهرا عادلا اصبح ضالا و ان مات علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق و اعلم يا محمد ان ائمة الجور و اتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلوا و أضلوا فاعمالهم التي يعملونها كَرَمٰادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عٰاصِفٍ لٰا يَقْدِرُونَ مِمّٰا كَسَبُوا عَليٰ شَيْ ءٍ ذٰلِكَ هُوَ الضَّلٰالُ الْبَعِيدُ «3» و منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي

______________________________

(1) الكافي: ج 1 ص 374 باب فيمن دان اللّه عزّ و جلّ بغير امام من اللّه جلّ جلاله الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 48.

(3) الكافي ج 1 ص 374 باب فيمن دان اللّه عزّ و جلّ بغير امام من اللّه جلّ جلاله الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 97

عبد اللّه عليه السّلام: اني اخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم و يتولون فلانا و فلانا لهم امانة و صدق و وفاء و اقوام يتولونكم ليس لهم تلك الامانة و لا الوفاء و الصدق؟ قال: فاستوي أبو عبد اللّه عليه السّلام جالسا فاقبل عليّ كالغضبان ثم قال لا دين لمن دان اللّه بولاية امام جائر ليس من اللّه و لا عتب علي من دان بولاية امام عادل من اللّه قلت لا دين لأولئك و لا عتب علي هؤلاء قال: نعم لا دين لأولئك و لا عتب علي هؤلاء ثم قال: ألا تسمع لقول اللّه عزّ و جلّ اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَي النُّورِ «1» يعني من ظلمات

الذنوب الي نور التوبة و المغفرة لولايتهم كل امام عادل من اللّه و قال وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَي الظُّلُمٰاتِ «2» انما عني بهذا انهم كانوا علي نور الإسلام فلمّا ان تولوا كل امام جائر ليس من اللّه عزّ و جلّ خرجوا بولايتهم ايّاه من نور الإسلام الي ظلمات الكفر فاوجب اللّه لهم النار مع الكفار ف أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ «3» «4» و منها ما رواه الفضيل بن يسار قال: ابتدأنا أبو عبد اللّه عليه السّلام يوما و قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من مات و ليس عليه امام فميتته ميتة جاهلية فقلت قال ذلك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال: اي و اللّه قد قال قلت: فكل من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية قال: نعم «5» و منها ما رواه الحارث بن المغيرة

______________________________

(1) البقرة: 257.

(2) البقرة: 257.

(3) البقرة: ص 257.

(4) الكافي: ج 1 ص 375 باب فيمن دان اللّه عزّ و جلّ بغير امام من اللّه جل جلاله الحديث 3.

(5) الكافي: ج 1 ص 376 باب من مات و ليس له امام الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 98

قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم قلت جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف امامه قال:

جاهلية كفر و نفاق و ضلال «1» و منها ما رواه المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام من دان اللّه بغير سماع عن صادق الزمه اللّه

البتة الي العناء و من ادّعي سماعا من غير الباب الذي فتحه اللّه فهو مشرك و ذلك الباب المأمون علي سرّ اللّه المكنون «2» و لا اشكال في انه لا بد من التصرف في الطائفة الاولي إذ من الضروري ان مجرد ترك الصلاة و بقية الفرائض المذكورة في تلك الطائفة لا يكون موجبا للكفر و عليه لا بد من العمل بالقواعد بالنسبة الي الطائفة الثانية و الثالثة: فنقول مقتضي القاعدة تقديم الطائفة الثالثة علي الثانية و الالتزام بكفر غير الامامي الاثني عشري و الوجه في ذلك ان الطائفة الثالثة دلالتها علي اسلام من يشهد بالشهادتين بالاطلاق أي أعم من يكون ملتزما بالولاية أم لا و المطلق قابل لان يقيد بالمقيد و الشاهد عليه انه لا يمكن العمل بالاطلاق تلك الطائفة و الا يلزم القول باسلام من يلتزم بالتوحيد و الرسالة و لكن يكون منكرا للمعاد و هل يمكن القول به؟! و ان أبيت عن قابلية الطائفة الثانية للتقييد نقول الترجيح بالاحدثية مع الطائفة الثالثة فان جملة من أحاديث الطائفة الثالثة أحدث منها ما رواه المفضل بن عمر «3» و منها ما رواه أحمد بن محمد بن مطهر «4» و منها ما رواه عبد العزيز بن مسلم عن الرضا عليه السّلام في حديث طويل قال و لم يمض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتي بيّن لامّته معالم دينهم و اوضح لهم سبيلهم و تركهم علي قصد

______________________________

(1) نفس المصدر ص 377 الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) لاحظ ص 92.

(4) لاحظ ص 95.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 99

سبيل الحق و اقام لهم عليا عليه السّلام علما و اماما و ما ترك شيئا

تحتاج اليه الامة الا بيّنه فمن زعم انّ اللّه عزّ و جل لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه عزّ و جلّ و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر «1» و منها ما رواه ابن أبي نصر «2» و المرجح الوحيد في باب الترجيح كون الحديث أحدث و يؤيد المدعي دعوي الاجماع علي كفر من انكر الولاية فانه نقل عن الشيخ نوبخت في كتاب فص الياقوت دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا و عن ابن ادريس في السرائر أن المخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا.

الجهة الثانية: في الوجوه التي يمكن الاستدلال بها علي نجاسة [أنواع] الكافر

اشارة

أو استدل بها و الكافر انواع و نبحث في كل نوع علي استقلاله فنقول:

النوع الأول الملحد

قال في الحدائق و قد حكي جماعة دعوي الاجماع علي نجاسة مطلق الكافر.

و فيه انه قد ثبت في محله عدم اعتبار الاجماع المنقول بل لا اعتبار بالمحصل منه الا أن يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام فهذا الوجه لا اعتبار به.

و ربما يقال بانه اذا ثبت كون المشرك نجسا يثبت نجاسة الملحد بالأولوية و فيه اولا ان نجاسة المشرك أول الكلام و لا بد من البحث فيها و ثانيا ان الاولوية ممنوعة إذ يمكن ان يقال انّ هتك المشرك بالنسبة الي ذاته تعالي اشد من هتك المنكر فان مقامه اجل و ارفع من ان يكون له شريك.

ان قلت يستفاد من بعض النصوص ان الكفر اشد من الشرك منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: الكفر اعظم من الشرك فمن اختار علي اللّه عزّ و جلّ و أبي الطاعة و اقام علي الكبائر فهو كافر و من نصب دينا

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حدّ المرتد الحديث 46.

(2) لاحظ ص 95.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 100

غير دين المؤمنين فهو مشرك «1» و منها ما رواه زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال في حديث الكفر أقدم من الشرك ثم ذكر كفر ابليس ثم قال فمن اجتري علي اللّه فابي الطاعة و اقام علي الكبائر فهو كافر يعني مستخف كافر «2».

قلت: لا يبعد ان المستفاد من هذه النصوص ان من اعتقد باللّه و لكن قام في مقام التجري و الطغيان و عصيان المولي يكون اخبث عن الذي يجعل له شريكا و بعبارة اخري انه

قائل بذاته تعالي و لكن يهتك المولي و لا يعتني بشأنه تعالي هذا من ناحية و من ناحية اخري اذا فرض انه وصلت النوبة الي الشك يكون مقتضي القاعدة الحكم بالطهارة لقاعدتها و استصحاب عدم نجاسته في وعاء الشرع فان كل حكم وضعي محكوم بالعدم إذ في كل مورد مسبوق بالعدم فاذا شك في انقلاب الحالة السابقة و صيرورته موضوعا للحكم الفلاني يكون مقتضي الاستصحاب عدمه.

النوع الثاني: من الكافر المشرك
اشارة

قال سيدنا الاستاد قدّس سرّه في المقام لا اشكال و لا شك في نجاسة المشركين بل نجاستهم من الضروريات عند الشيعة و لا نعهد فيها مخالفا من الاصحاب نعم ذهب العامة الي طهارتهم و لم يلتزم منهم بنجاستهم الا القليل و استدل بقوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا «3» بتقريب ان النجس بالفتح كالنجس بالكسر فيستفاد من الاية الشريفة ان المشركين عين النجاسة قال المفسر الكبير في مجمع البيان في ذيل الآية: معناه ان الكافرين انجاس فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ الخ …

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) التوبة: 28.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 101

و قال الطريحي في مادة نجس و في الاية دلالة علي ان المشركين انجاس نجاسة عينية لا حكمية و هو مذهب اصحابنا و به قال ابن عباس: قال ابن عباس اعيانهم نجسة كالكلاب و الخنازير و روايات اهل البيت علي نجاستهم مشهورة و خالف في ذلك باقي الفقهاء و قالوا معني كونهم نجسا أنهم لا يغتسلون من الجنابة و لا يجتنبون النجاسات الي آخر كلامه قدّس سرّه و في المقام وجوه من الاشكال الوارد علي الاستدلال بها

علي المدعي:

[الإشكالات الواردة علي الاستدلال بالآية و دفعها]

الوجه الأول: ان المصدر لا يحمل علي الذات فلا بد من تقدير (ذو) فيكفي كونهم انجاس بالعرض أي ان المشرك ذو نجاسة و يرد عليه انه لا مانع من حمل المصدر علي مصداقه كما لو اشير الي الضرب و يقال هذا ضرب و قس عليه بقية الموارد.

و بعبارة واضحة المدعي في المقام ان المشرك عين النجاسة فلا مانع عن الحمل و لا نحتاج الي القول بانه مبالغة كقوله زيد عدل و لا الي القول بتقدير لفظ (ذو) و لتوضيح المدعي نقول الذي لا يمكن الالتزام به ان يحمل المعني الحدثي علي الذات إذ لا يعقل اتحاد الضدين و اما اذا فرضنا ان المصدر أي ما يسمي بالمصدر لا يكون معني حدثيا كما انه كذلك في المقام فلا مانع عن الحمل و ان شئت فقل ما يسمي بالمصدر يحمل علي مصداقه بلا فرق بين أن يكون مصداقه من الجوامد أو من المشتقات و لذا لا اشكال في صحة كلام الاصحاب حيث يقولون النجاسات عشرة فان النجاسات حملت علي الذوات الخارجية و انما نعبر في كلامنا بما يسمي بالمصدر من باب ان المصدر يعتبر وجوده في جميع افراد المشتقات و ما يسمي بالمصدر لا يكون كذلك و لا يعقل ان يكون مصدرا مثلا المصدر في مادة ضرب عبارة عن الضاد و الراء و الباء علي نحو الابهام الا من ناحية ترتيب الحروف و صفوة القول ان المصدر بما هو كذلك يعتبر وجوده في جميع المشتقات.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 102

الوجه الثاني: ان الآية علي فرض دلالتها علي المدعي لا تدل علي نجاسة مطلق الكافر بل تختص بالكافر المشرك و الجواب عن الوجه المذكور ان

الكلام في نجاسة المشرك.

الوجه الثالث: أنه لا دليل علي ارادة النجاسة المعهودة من الآية فان النجاسة في اللغة بمعني القذارة و بعبارة واضحة الأحكام الشرعية صدرت عن مصادرها بالتدريج و لا شاهد علي كون المراد من النجاسة في الآية النجاسة الشرعية و ان أبيت عن الجزم بما ذكر فلا أقل من الاحتمال و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و يرد عليه أنه لا دليل علي كون الاية نازلة في أول البعثة و قيل أنها نزلت في السنة التاسعة من الهجرة فالآية نازلة بعد سنين متعددة و يضاف الي ما ذكر ان الدليل دال علي انّ الماء جعل طهورا و رافعا للنجاسة في أوائل البعثة لاحظ ما روي عن موسي بن جعفر عليهما السّلام: الاحتجاج عن موسي بن جعفر عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السّلام في حديث طويل مع يهودي يخبره عن فضائل الانبياء و يأتيه امير المؤمنين عليه السّلام بما لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بما هو افضل مما اوتي الانبياء.. الي أن قال و كانت الامم السالفة اذا أصابهم اذي من نجاسة قرضوه من اجسادهم و قد جعلت الماء لأمتك طهورا فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك الحديث «1» فان المستفاد من هذه الرواية ان اللّه سبحانه منّ علي رسوله الأكرم بان رفع عن امته وجوب القراض و جعل الماء طهورا و رافعا للنجاسة و لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: الماء يطهر و لا يطهر «2» و لاحظ ما

رواه مسعدة بن اليسع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال علي عليه السّلام: الماء يطهر

______________________________

(1) تفسير برهان: ج 1 ص 264.

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الماء المطلق الحديث 6.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 103

و لا يطهر «1» و لاحظ ما روي أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول عند النظر الي الماء: الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا «2» و لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة احجار بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أما البول فانه لا بد من غسله «3».

فانه يستفاد من هذه النصوص ان النجاسة و الطهارة كانتا مجعولتين في زمن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو قريب من زمانه اضف الي ذلك كله ان مقتضي الاستصحاب القهقري الذي يكون من الاصول اللفظية كون النجاسة بالمعني الشرعي منها في لسان الشارع كانت في زمان رسول الإسلام متحدة مع ما كانت في لسان الائمة و مخازن الوحي، إن قلت هب ان مقتضي الاستصحاب بالتقريب المذكور كون المراد المعني الشرعي لكن مقتضي الاستصحاب أيضا بقاء اللفظ علي معناه اللغوي في زمن الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

قلت هذا الاستصحاب من الاصول العملية و الاستصحاب القهقري الجاري في الالفاظ من الامارات و الأصل العملي لا يقاوم الاصل اللفظي و ان شئت قلت الأصل الفقاهي لا يعارض الدليل الاجتهادي و بتعبير آخر الاصل العملي لا يقاوم الامارة.

إن قلت الحق ان الاستصحاب امارة فلا وجه للترجيح قلت ان الاستصحاب و إن كان امارة

علي المسلك الحق لكن امارة حيث لا امارة و علي الجملة ان الاستصحاب لا يقاوم الدليل اللفظي بلا كلام و لا ريب.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 7.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب احكام الخلوة الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 104

ان قلت مع ذلك لا يمكن حمل النجاسة علي النجاسة الشرعية بل يلزم حملها علي النجاسة المعنوية و الخباثة الذاتية إذ لا اشكال في جواز ادخال النجاسات العينية كالدم و العذرة و البول و غيرها في المسجد ما دام لا يوجب تلوث المسجد فيكون المراد من النجاسة في الاية الخباثة فان المشرك حيث انه خبيث و رجس و قائل بالشريك له تعالي لا يناسب دخوله في مهبط الوحي و مخزن التوحيد و الوحدانية.

قلت: التقريب المذكور غير تام فان المذكور في الآية ان المشركين نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ و المستفاد منها ان المشرك موظف أن لا يدخل المسجد الحرام و هذه الاية تدل علي ان الكفار مكلفون بالفروع كما أنهم مكلفون بالاصول و لا تنافي بين هذه الاية و جواز ادخال النجاسة العينية في المسجد الحرام.

و بعبارة واضحة: لا دلالة في الاية علي النهي عن ادخال الموحد المشرك الي المسجد كي ينقض بل المستفاد من الآية ان المشرك بنفسه منهي عن دخول المسجد الحرام فالنتيجة ان المستفاد من الاية الشريفة نجاسة المشرك و هذه هي الدعوي في المقام فلاحظ.

النوع الثالث: الغلاة

فنقول ان كان المراد من الغالي من يعتقد ان أمير المؤمنين عليه السّلام هو الرب و هو اللّه فلا اشكال في كونه كافرا لأنه لا يعتقد باللّه و هل يمكن الجزم بنجاسته و كونه من الاعيان النجسة فلو قلنا بتمامية الدليل علي

نجاسة الكافر يتم الامر أو قلنا بانه يستفاد من نجاسة المشرك نجاسة الغالي بالأولوية يتم الامر أيضا لكن في كلا التقريبين اشكال و اما حديث محمد بن عيسي قال: قرأنا في كتاب الدهقان و خط الرجل في القزويني الي ان قال: و توقوا مشاورته و لا يجعلوا له

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 105

السبيل الحديث «1» فمضافا الي الاشكال في السند يحتمل أن يكون النهي عن المشاورة لا عن المساورة كي يقال بان النهي عن مساورته دليل علي نجاسته و ان كان في الجزم بالتقريب أيضا اشكال و لا يمكن الجزم به.

و إن كان المراد من الغالي من يعتقد ان اللّه تعالي فوض الامور الي أمير المؤمنين عليه السّلام و هو بنفسه انعزل عن التصرف في العالم يكون من مصاديق المفوضة و يقع الكلام فيهم ان شاء اللّه تعالي.

و ان كان المراد من الغالي كون علي عليه السّلام و أولاده المعصومين أقرب الموجودين الي ساحة القدس الربوبي و انهم أبواب اللّه فهذا ليس موجبا لفساد العقيدة و الشيعي الاثني عشري قائل بهذه العقيدة و نسأل اللّه أن يثبّتنا علي الاعتقاد المذكور في الدنيا و الآخرة و حشرنا مع الأنوار الطاهرة و مظاهر الصفات الربوبية و قد ورد في دعاء ايام شهر رجب انه: لا فرق بينك و بينها الّا أنهم عبادك و خلقك الي آخر الدعاء.

النوع الرابع: الخارجي

و عن جامع المقاصد أنه لا كلام في نجاسته و عن جملة من الاجلة دعوي الاجماع عليه.

أقول: ان كان المراد من الخارجي الطائفة الملعونة التي خرجت علي أمير المؤمنين عليه السّلام و اعتقدت كفره و مثلهم الطائفة التي خرجت علي أبي الشهداء شهيد كربلاء فلا اشكال في كونهم مصاديق

الناصب و يقع البحث فيه ان شاء اللّه تعالي و يدل علي كونه مشركا ما نقل عن الباقر عليه السّلام بالنسبة الي احد الخوارج «مشرك و اللّه مشرك» «2» و اما ان كان المراد من الخارجي من يعارض امام زمانه لأجل الدنيا و زخرفها فلا يكون مثله ناصبيا و ان كان مرتكبا لأشد المعاصي

______________________________

(1) تنقيح المقال للمامقاني باب الفاء في ترجمة فارس بن حاتم.

(2) مصباح الفقيه: ج 7 ص 285 و 286.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 106

و حيث انجر الكلام الي هنا نقول لا اشكال في انّ الثلاثة الاوّلين من النواصب لعنة اللّه عليهم و علي اتباعهم و كيف لا يكون الامر كذلك و الحال انهم هجموا علي بيت الزهراء عليها السّلام و احرقوا الباب و ضربوا بنت الرسول و اسقطوا ما في بطنها و جرّوا ولي اللّه و هتكوا و ارادوا قتله و نشكو الامر الي اللّه و هو الحاكم في يوم الحساب بل إنهم اعداء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هل يمكن أن يكون شخص يحب الرسول و يضرب بضعته و كيف يمكن أن يحبه و يتجاسر عليه بقوله ان الرجل ليهجر و البحث في هذا المجال طويل.

النوع الخامس: المنكر لرسالة نبي الإسلام

فانه لا شبهة في ان المنكر للرسالة كافر بمقتضي النصوص و الاجماع و الضرورة بل كون الشخص مسلما مع كونه منكرا للرسالة أو شاكا فيها مرجعه الي الخلف المحال و يلحق به منكر الضروري اذا رجع الي انكار الرسالة و يظهر من جملة من النصوص ان انكار حكم من أحكام الشريعة يوجب الكفر منها ما رواه داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام سنن رسول

اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كفرائض اللّه عزّ و جلّ فقال ان اللّه عزّ و جلّ فرض فرائض موجبات علي العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافرا و أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بأمور كلّها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر اللّه عزّ و جلّ به عباده من الطاعة بكافر و لكنه تارك للفضل منقوص من الخير «1» و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول كل شي ء يجرّه الاقرار و التسليم فهو الايمان و كل شي ء يجرّه الانكار و الجحود فهو الكفر «2» و منها ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام من شهد أن لا إله الّا اللّه و انّ محمدا رسول

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 107

اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان مؤمنا قال فأين فرائض اللّه الي أن قال ثم قال فما بال من جحد الفرائض كان كافرا «1» و منها ما رواه عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث انه كتب اليه مع عبد الملك بن أعين سألت رحمك اللّه عن الايمان و الايمان هو الاقرار الي أن قال و الإسلام قبل الايمان و هو يشارك الايمان فاذا أتي العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو بصغيرة من صغائر المعاصي التي نهي اللّه عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان و ثابتا عليه اسم الإسلام فان تاب و استغفر

عاد الي الايمان و لا يخرجه الي الكفر الّا الجحود و الاستحلال ان يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام و الايمان و داخلا في الكفر الحديث «2» و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين الضروري و غير الضروري نعم لا يبعد ان يستفاد منها الجحود و الانكار فلا يشمل ما اذا كان عن عذر و لكن مقتضي اطلاق هذه النصوص عدم الفرق بين كونه تكذيبا للنبي أم لا و اما نجاسة هذا القسم فمبني علي القول بنجاسة مطلق الكافر.

و أما منكر المعاد فقد استدل سيدنا الاستاد بجملة من الآيات منها قوله تعالي:

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا «3» و منها قوله تعالي: قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ «4» و الانصاف

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 13.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 50.

(3) النساء: 59.

(4) التوبة: 29.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 108

ان هذه الآيات لا تدل علي كفر منكر المعاد نعم لا اشكال في وجوب الاعتقاد بالمعاد و يستحق المنكر العقاب كما تدل عليه الآية الشريفة في سورة المدّثر وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ بل يمكن أن يقال ان العقل حاكم بالمعاد و يوم الجزاء و الّا بأيّ نحو يمكن الزام البشر بالطاعة

و ترك العصيان و لكن مع ذلك كله لم نجد دليلا علي كون منكر المعاد كافرا لكن كيف لا يجزم العارف بالشريعة بكون المعاد من أصول الدين فانه لو ادعي أحد أنه مورد التسالم و مورد السيرة و الارتكاز لا يكون مجازفا في قوله و لا اشكال في ان انكار المعاد إنكار لرسالة الرسول فلاحظ.

النوع السادس: الناصبي

و قد نفي الخلاف عن نجاسته في بعض الكلمات بل قيل انه ادعي عليه الاجماع في كلام جمع من الاصحاب و تدل علي نجاسته جملة من النصوص منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال و ايّاك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم فإن اللّه تبارك و تعالي لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه «1» و منها ما رواه خالد القلانسي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ألقي الذمّي فيصافحني قال امسحها بالتراب و بالحائط قلت فالناصب قال اغسلها «2» و في المقام وجوه من الاشكال:

الوجه الأول: أن المذكور في الحديث ان الناصب أنجس من الكلب و لا تتصور الاشدية في النجاسة الخبثية فيكون المراد من الحديث الأمر المعنوي.

و فيه انه لا مانع من الاشدية فيها و لذا نري الفرق في التطهير بين النجاسات مثلا يشترط في التطهير من البول التعدد اذا كان بالماء القليل و في الكلب التعفير و في

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 5.

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 109

الخنزير سبع مرات بالماء.

الوجه

الثاني: أنه قد جعل الناصب في عداد ولد الزنا لاحظ ما أرسله علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث انه قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام فانّه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم «1» و الحال أن ولد الزنا لا يكون نجسا كما ان الاغتسال من الزنا لا يوجب النجاسة.

و فيه انّه يكفي للاستدلال حديث ابن أبي يعفور و نفرض عدم امكان الأخذ بما ذكر مضافا الي ضعف السند اضف الي ذلك ان المستفاد من هذه الطائفة الخباثة المعنوية و لا نضايق ان نلتزم بكلا الأمرين بالنسبة الي الناصب لعنه اللّه.

الوجه الثالث: ان النصب صار شايعا في دولة بني امية حتي ان معاوية جعل لعن ولي اللّه أمير المؤمنين عليه السّلام من الأذكار المستحبة و لم يظهر من الائمة ما يدل علي نجاسة الناصب بل كان المتعارف معاملة الطهارة معه و حمل المعاشرة في هذه المدة الطويلة علي التقية بعيد.

و فيه أنه لا نري بعدا فيه و الميزان ما يصل إلينا من الأحكام و قد وصل إلينا الدليل علي نجاسة الناصبي و لا يمكن رفع اليد عن الدليل المعتبر بهذه الوجوه المذكورة و امثالها و لا مانع من الالتزام بكون الناصبي من الأعيان النجسة و مع ذلك يمكن أن يقال أن حكم الشارع بعدم الاجتناب عنه بلحاظ ملاك في نظره و صفوة القول ان الوظيفة الشرعية و العقلية التسليم في قبال ما وصل إلينا من الأحكام و لا مجال للقيل و القال فيها.

النوع السابع: المجسمة

قال سيدنا الاستاد قدّس سرّه ما ملخص كلامه في هذا المقام

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من

أبواب الماء المضاف الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 110

علي ما في تقريره الشريف هم علي قسمين فقسم منهم يعتقد ان اللّه كبقية الاجسام له يد و رجل و رأس فالقائل بلوازم قوله ان التزم بها فلا اشكال في أنه كافر و قسم منهم يعتقد أنّ اللّه جسم لا كبقية الاجسام و يلتزم بالاوصاف التي تناسب ذلك الصقع و هذا الاعتقاد و ان كان خلاف الواقع لكن لا يوجب الكفر الّا أن يرجع الي تكذيب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أكثر المسلمين لقصور باعهم يعتقدون ان اللّه جسم جالس علي عرشه و لذا يتوجهون اليه توجه الجسم الي جسم مثله لا بنحو التوجه القلبي و قد ورد في الخبر أنه «شي ء بخلاف الأشياء» «1».

أقول: ما كنّا نترقب من سيدنا الاستاد قدّس سرّه مع كونه مشارا اليه بالبنان في الميادين العلمية ان يصدر عنه هذا القول لاحظ ما رواه سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان فقال انّ الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال الإسلام شهادة أن لا إله الّا اللّه و التصديق برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة الناس و الايمان الهدي و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام و ما ظهر من العمل به و الايمان أرفع من الإسلام بدرجة ان الايمان يشارك الإسلام في الظاهر و الإسلام لا يشارك الايمان في الباطن و ان اجتمعا في القول و الصفة «2» فان المستفاد من هذه الرواية ان قوام

الإسلام بشهادة أنه لا آله الّا اللّه هذا من ناحية و من ناحية اخري ثبت عندهم انّ لفظ اللّه علم لذات واجب الوجود و هو الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية فاذا لم يكن كذلك يكون الشخص خارجا عن دائرة الإسلام و بعبارة اخري نسأل الاستاد بانّ الجسمية بايّ معني كان أعم من أن يكون المراد بها الجسم الطبيعي أو

______________________________

(1) الكافي: ج 1 ص 81 ذيل حديث 5.

(2) الكافي: ج 2 ص 25 باب ان الايمان يشارك الإسلام الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 111

التعليمي نقص أم لا لا سبيل الي الثاني و علي الأول يكون المتصف به ناقصا.

و أمّا أكثر المسلمين معتقدون بهذه العقيدة فلا نسلم و ننكر هذه الجهة أشد الانكار و انّما يتوجهون عند التوسل الي الفوق لا من جهة أنه تعالي جالس علي عرشه بل التوجه الي الفوق عند الدعاء و التوسل أمر رائج و دائر بين جميع الموحدين و هو المتعارف عند الشيعة عند التوسل و الدعاء و قد امر من ناحية الشرع برفع الرأس أو اليد عند الدعاء و التوسل في بعض الموارد و هذا ظاهر واضح نعم ذلك الصوفي الضال المضل يقول في اشعاره:

ديد موسي يك شباني را براه كاو همي گفت اي خدا و اي اله

تو كجائي تا شوم من شاكرت چارقت دوزم كنم شانه سرت

الي آخر اشعاره الكفرية و لا غرو في صدور هذه الترهات و الاباطيل عن مثله فان من يكون قائلا بوحدة الموجود و أمثال هذه العقيدة الكفرية يناسب أن يصدر عنه ما يكون مناسبا و مناسخا مع الابالسة الملاعين اعاذنا اللّه عن الاعتقاد بعقائدهم.

و أما حديث الكافي فالمستفاد منه أنّه تعالي شي ء لا

كالأشياء و المراد بالشي ء الوجود و لا اشكال في انّ اللّه تعالي موجود و الّا يلزم ان يكون معدوما نستجير به تعالي نعم بعد اثبات كونه موجودا يقع الكلام في الفارق بينه و بين خلقه. أقول:

«الي موضع الاسرار قلت لها قفي».

و أما كلام ملّا صدري في شرح اصول الكافي فهو أنه لا مانع عن الالتزام بكونه جسما الهيا فان الجسم علي أقسام قسم منه الجسم الخارجي المادي و منها جسم مثالي و هو الصورة الحاصلة للإنسان من الأجسام الخارجية فانها جسم بلا مادة و منها جسم عقلي و هو الكلي المتحقق في الذهن و هو أيضا لا مادة له و منها غير ذلك و الجامع لهذه الأقسام الأربعة هو الجسم الذي له ابعاد ثلاثة من العمق

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 112

و الطول و العرض، أقول: يا أهل المروة و الانصاف هل يمكن أن يصدق العارف الموحد هذه المقالة و هل يكون واحد منهم يعتقد بانه تعالي ذو عرض و طول و عمق و لا أدري بايّة مناسبة لقب هذا الشخص بصدر المتالهين و ان كان ذوق التأله يقتضي الالتزام بهذه المقالة فلا نريد هذا الذوق و كيف يمكن أن توجد هذه الابعاد بلا مادة و بعبارة واضحة قد حقق عندهم أن العرض موجود في نفسه لغيره في قبال الوجود لا في نفسه و كيف لا يكون مثله مركبا و كيف لا يكون محتاجا و يضاف الي ذلك أن هذه الأبعاد كل واحد منها ماهيّة فتكون مشتركة مع بقية الأبعاد و يلزم التميز أي يكون الجامع بين الكل هو الجنس و المائز هو الفصل و لا يكون ما به الامتياز عين ما به الافتراق إذ

لا تشكيك في الماهية و يؤيد المدعي بعض النصوص منها ما رواه ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليهما السّلام يقول من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك و من نسب اليه ما نهي عنه فهو كافر «1» و منها ما رواه عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عليه السّلام في حديث قال: من وصف اللّه بوجه كالوجوه فقد كفر «2» و منها ما رواه داود بن القاسم قال: سمعت علي بن موسي الرضا عليه السّلام يقول من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك و من وصفه بالمكان فهو كافر و من نسب اليه ما نهي عنه فهو كاذب الحديث «3» و منها ما رواه محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك و من أنكر قدرته فهو كافر «4».

النوع الثامن: المجبرة

قال سيدنا الاستاد في هذا المقام تارة يراد بالمجبرة الذين

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 16.

(4) نفس المصدر الحديث 17.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 113

قائلون بالجبر و يلتزمون بلوازمه و هذا يوجب الكفر و النجاسة إذا الالتزام بالجبر يستلزم انهدام الشرائع فان الجبر لا يتصور فيه الاختيار كي يصحّ التكليف و مع عدم صحة التكليف لا مجال لإرسال الرسل و انزال الكتب و أما ان كان المراد بالجبر ان افعال العباد خارجة عن تحت اختيارهم و لكن يرون صحة التكليف فلا يكون هذا موجبا للكفر و بعبارة اخري مجرد الاعتقاد بالجبر لا يوجب الكفر و لا يوجب النجاسة.

أقول: المستفاد من حديث سماعة و

غيره ان قوام الإسلام بالاعتقاد بوجود اللّه الذي يكون جامعا لجميع الصفات الكمالية و مع انتفائه لا يتحقق الإسلام و كيف يكون الشخص المعتقد بان اللّه يكلف عباده بما لا يكون مقدورا لهم و يعذبهم بالعصيان.

و ببيان واضح الذي يعتقد أن موجد العالم غير حكيم لا يكون معتقد باللّه فإن مجرد الاعتقاد بوجود موجود مؤثر كائنا من كان لا أثر له و يؤيد المدعي بعض النصوص منها ما رواه يزيد بن عمر الشامي عن الرضا عليه السّلام في حديث قال: من زعم انّ اللّه يفعل افعالنا ثمّ يعذّبنا عليها فقد قال بالجبر و من زعم ان اللّه فوّض أمر الخلق و الرزق الي حججه فقد قال بالتفويض و القائل بالجبر كافر و القائل بالتفويض مشرك «1» و منها ما رواه الحسين بن خالد عن الرضا عليه السّلام في حديث قال من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك و نحن منه براء في الدنيا و الآخرة «2» و منها ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال الناس في القدر علي ثلاثة أوجه رجل زعم ان اللّه أجبر الناس علي المعاصي فهذا قد ظلم اللّه في حكمه فهو كافر و رجل يزعم ان الأمر مفوّض اليهم فهذا قد وهن

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 4.

(2) نفس المصدر الحديث 5.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 114

اللّه في سلطانه فهو كافر الحديث «1» و نقل عن بعض أنه قال حمار الاشعري أفهم منه اذ حماره لما يصل الي الماء يدري بان دخول الماء اختياري له و لا يدخل و الاشعري لا يفهم بان فعله اختياري له اعاذنا اللّه من

الزلل و صفوة القول انه ان كان الاعتقاد بانه للعالم خالق علي نحو الاطلاق يكفي لكون الشخص موحدا، يكون الراعي الذي رآه موسي بن عمران في مقام التصور موحدا و هل يرضي سيدنا الاستاد به و هل يمكن ان يصدر من نبي اللّه موسي عليه السّلام ما نسب اليه بقوله:

هيچ آدابي و ترتيبي مجو هرچه مي خواهد دل تنگت بگو

النوع التاسع: المفوضة

قال الطريحي قدّس سرّه في مادة فوض: المفوضة قوم قالوا ان اللّه خلق محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و فوض اليه خلق الدنيا فهو الخلاق لما فيها و قيل فوض ذلك الي علي عليه السّلام و قال سيدنا الاستاد قدّس سرّه ان المفوّضة اذا التزموا بلازم كلامهم يكون كفرا و شركا و يوجب اعتقادهم نجاستهم اما اذا لم يلتزموا بلازم كلامهم فلا يوجب كفرهم.

أقول: ان فرض انّ اعتقادهم يستلزم الاعتقاد بكون الباري تعالي ذا شريك كيف لا يكون اعتقادهم مضرا مثلا لو فرض ان شخصا يعتقد بانّ اللّه جسم من الأجسام و لا يتوجه باعتقاده و يكون غافلا هل يكون مثله مسلما مع ان قوام الإسلام بكون الشخص معتقدا بوجود ذات مستجمع لجميع الصفات الكمالية و هو اللّه جلّ جلاله.

اذا عرفت ما تقدم اعلم انه ان كان المراد من التفويض انعزال الخالق عن الخلق و استقلال المخلوق بعد خلقته عن الخالق يكون الاعتقاد المذكور كفرا و الحادا اعاذنا اللّه من الزلل و الزلات.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 115

توضيح المدعي انّ المفوضة حيث رأوا ان كلام الاشاعرة و المجبرة الذين يقولون بعدم كون افعال العباد اختيارية و يستلزم اعتقادهم نسبة الظلم الي ساحة القدس الربوبي سلكوا مسلكا آخر كي

لا يقعوا في محذور الجبر و التزموا باختيارية افعال المكلّفين و قالوا الحادث بعد حدوثه لا يحتاج الي المؤثر فلا يرتبط الفعل الصادر من العبد بساحة القدس الربوبي و زعموا أنّهم سلكوا طريق الحق بخلاف الاشاعرة.

و يردّ عليهم انّ ما ذهبوا إليه أكثر اشكالا و أسوأ من مذهب الاشاعرة.

إذ يرد علي هذا المسلك اولا انّ الوجود الامكاني لا يعقل ان يصير واجبا و لا يمكن تعلق القدرة به و بعبارة اخري الممكن كما انه يكون في الحدوث محتاجا الي مؤثر يكون كذلك بقاء.

و ثانيا: انّ ما ذهب إليه مستلزم للشرك فانّ زيدا بعد وجوده يكون شريكا مع الباري تعالي و هذا الشرك أشد فسادا من الشرك الذي التزم به الثنوية القائلون بتعدد الإله و كونه اثنين أحدهما يزدان و هو خالق الخيرات ثانيهما أهرمن و هو خالق الشرور و لكن المفوضة قائلون بالتعدد الي ما لا نهاية له.

و ثالثا: انّ حكم الامثال واحد و من هذه الجهة لا يكون فرق بين الاناسي و الحيوانات.

و رابعا: أنّه كيف لا يكون الممكن بعد حدوثه غير محتاج الي المؤثر و الحال أنّه نري فناء الاشياء و ممات الاحياء و من الواضح انّ الواجب لا يمكن انعدامه.

و خامسا: انّه يلزم ابطال الشرائع و الأديان إذ علي هذا المسلك لا يتصور المعاد كي يحاسب العبد فانّ الواجب لا يفني و يدل بعض النصوص علي كونهم مشركين قال القمي رحمه اللّه في تفسيره في رواية ابي الجارود قوله: كَمٰا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقاً هَديٰ وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلٰالَةُ قال خلقهم حين خلقهم مؤمنا كافرا و شقيّا

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 116

و سعيدا و كذلك يعودون يوم القيامة مهتد و ضال

يقول إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيٰاطِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ و هم القدرية الذين يقولون لا قدر و يزعمون انهم قادرون علي الهدي و الضلالة و ذلك اليهم ان شاءوا اهتدوا ان شاءوا ضلّوا و هم مجوس هذه الامة الحديث «1».

و بالمناسبة نذكر ما افاده المعتزلي شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد قال في أول كتابه الحمد للّه الذي قدم المفضول علي الفاضل فانه يسئل التقديم الذي اشار إليه تقديم تكويني أو تقديم تشريعي أما علي الأول فهو يناقض مسلك التفويض و انّ ما يرجع الي العباد لا يرتبط بساحة قدسه و أما علي الثاني فيسئل أيضا أنه ايّ دليل دل علي تقديم المفضول علي الفاضل يا ليته لم تلده والدته كي لا يصدر عنه هذا الأمر الباطل فانّ البراهين الواضحة قائمة علي انّ الحق يدور مدار علي بن ابي طالب أرواحنا فداه و لا مجال لقياس الأولين عليه.

فالنتيجة انّ القائل بهذا المذهب كافر مشرك و طبعا يكون نجسا.

و إن كان المراد من التفويض ما أفاده الطريحي أي الباري تعالي فوض أمر الخلق الي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو علي عليه السّلام يكون أيضا فاسدا فان القول المذكور مخالف مع القرآن و النصوص فان المستفاد من الكتاب و السنة ان الامور كلها بيده و بقدرة الباري تعالي و هذا القول يستلزم الشرك فان مرجعه الي ان ذاته تعالي منعزل و يكون الامر بيده عبيده و يكون هذا شركا و لا حول و لا قوة الّا باللّه.

ازمة الامور طرا بيده و الكل مستمدة من مدده

فتحصل مما تقدم أنه لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين و هذا مسلك

في قبال المسلكين الباطلين و تدل عليه جملة من النصوص الواردة عن مخزن

______________________________

(1) بحار الأنوار: ج 5 ص 9 الحديث 13.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 117

الوحي «1» و من تلك النصوص ما ارسله محمد بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين أمرين قال: قلت و ما أمر بين أمرين قال مثل ذلك رجل رأيته علي معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية «2».

و يمكن تصور الحال في ضمن امثلة: الأول أنه لو فرضنا ان شخصا يربط آلة قتالة بيد المرتعش بلا ارادة ذلك المرتعش و بعد ذلك صادفت الآلة شخصا ثالثا و قتل لا ينسب القتل الي المرتعش بل ينسب الي ذلك الرابط و القائل بالجبر يعتقد ان الفعل منسوب الي الباري و المكلف يصدر عنه الفعل بلا اختيار.

الثاني: ان يعطي شخص آلة قتالة لغيره مع العلم بانه يقتل بالآلة شخصا ثالثا و لا يمكنه بعد الاعطاء ان يأخذ الآلة منه و قتل الآخذ شخصا يكون القتل مستندا الي الأخذ و لا يرتبط بالمعطي و القول بالتفويض يستلزم الالتزام به.

الثالث: ان يعطي شخص آلة قتالة للثالث مع العلم بانه يقتل ثالثا و لكن اختيار الآخذ بيد المعطي أي ما دام يمده يختار و اذا قطع امداده عنه يعجز فاذا قتل الآخذ شخصا ثالثا يصدق ان الآخذ قاتل لكن أيضا يصدق ان المعطي كان معينا له في القتل و الامامية ذهبوا الي هذا المذهب و هذا اعتقادهم و يمكن الاستدلال علي المدعي ببعض الآيات الشريفة منها قوله تعالي: وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلّٰا

أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً «3» و منها قوله تعالي: وَ لٰا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلّٰا أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذٰا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسيٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي

______________________________

(1) الكافي: ج 1 ص 155 كتاب التوحيد باب الجبر و القدر.

(2) نفس المصدر الحديث 13.

(3) الانسان: 30.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 118

لِأَقْرَبَ مِنْ هٰذٰا رَشَداً «1» فان المستفاد من الآيتين الشريفتين انّ العبد إذا فعل فعلا يكون سبب فعله ارادته و ارادة اللّه و لتوضيح الأمر نمثل مثالا آخر و هو أنه لو كان شخص معلقا في مكان في طرفه اليمين جملة من المأكولات المفيدة للمزاج و في يساره جملة من المأكولات المضرة و كان حبل مشدودا ببدنه و لكن زمام اختياره بيد شخص آخر بحيث في كل يمكنه أن يجره و يمنعه عمّا يريده فنسأل أن الشخص المربوط بالحبل هل يكون مختارا في الأكل أو مجبورا لا اشكال في أنه إذا أكل من الطرف الأيمن أو الأيسر يكون مختارا و لكن مع الوصف يكون اختياره بيد ذلك الشخص الثاني فالحق انه لا جبر و يكون الفعل الصادر من العبد باختياره و ارادته و الوجدان أصدق شاهد عليه:

اين كه گوئي اين كنم يا آن كنم اين دليل اختيار است اي صنم

و الحق أيضا ان الممكن كائنا ما كان في كل آن و لحظة يحتاج الي الواجب و لا يعقل غنائه عنه و الّا يلزم الخلف المحال و إن شئت فقل انّ اضافة الواجب الي الممكن اضافة اشراقية الي المضاف اليه عين الفقر لا شي ء له الفقر و مثاله في الممكن اضافة الانسان الي الصورة الحاصلة في النفس فان

قوام تلك الصورة بتوجه المتصور بحيث اذا غفل في آن لا تبقي تلك الصورة:

اگر نازي كند برهم فرو ريزند قالبها.

و لتوضيح المراد و المرام ننبّه علي نكتة مفيدة للمقام و لما يأتي عن قريب ان شاء اللّه تعالي و هو ان صدق عنوان المشتق علي الذات متوقف علي واجديّة ذلك الذات لمبدإ ذلك المشتق و الّا يكون الصدق مستحيلا فاذا كان الذات غير المبدأ لا بد أن يكون واجدا له و يمكن أن يكون خاليا عنه فعند خلوه لا يصدق عليه و أما اذا كان

______________________________

(1) الكهف: 23 و 24.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 119

الذات نفس ذلك المبدأ لا يعقل انفكاكه عنه مثلا الجدار الأبيض يصدق عليه عنوان الابيض لكن هذا الصدق ببركة كون البياض فيه و اما نفس البياض فهو بنفسه أبيض و لنا أن نقول تركب الذات و المبدأ ربما يكون تركبا اتحاديا و قد يكون انضماميا.

النوع العاشر: القائلون بوحدة الوجود

و لا بد في حكمهم التفصيل بان يقال ان كان المراد بوحدة الوجود ان حقيقة الوجود واحدة و لها مراتب و هو مفهوم واضح و أما كنهه في غاية الخفاء و هو الأصل في العالم انّ الوجود عندنا أصل دليل من خالفنا عليل لا مانع من الالتزام به بان يقال قسم من الوجود واجب و قسم منه ممكن و الممكن علي أقسام قسم منه رسول مكرم و قسم منه شيطان رجيم و هذا لا يوجب الكفر و هذا يسمي عندهم بالتوحيد العامي.

الفهلويون الوجود عندهم حقيقة ذات تشكك تعمّ

و أما ان قيل ان الموجود واحد في الخارج و له اطوار فانه في السماء سماء و في الأرض أرض و في الخالق خالق و في المخلوق مخلوق و

هكذا و هو المسمي عندهم بتوحيد خاص الخاص فيكون كفرا و الحادا و مكابرة مع الوجدان و البرهان امّا منافاته مع الوجدان فهو واضح عند من يكون له الوجدان و امّا منافاته مع البرهان فهو أنه كيف تجتمع الوحدة مع التعدد و كيف يتصور كون الواحد علة و معلولا و الالتزام بهذا المسلك يهدم جميع الأديان و الشرائع و قائله كافر بلا اشكال و الظاهر أنه لا شبهة في نجاسته إذ لازم هذا القول الهتك الأكثر من الشرك بالنسبة الي ذات الالوهية و غاية الجسارة الي ساحته المقدسة اعاذنا اللّه من القول الباطل و إن كان المراد من وحدة الوجود ان الوجود واحد و الموجود متكثر و بعبارة اخري الموجود الحقيقي واحد و هو ذات الباري و بقية الموجودات موجودات انتسابي و اطلاق الموجود عليها كإطلاق اللابن علي بايع اللبن و التامر علي بايع التمر

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 120

و الوجه في الالتزام بالمسلك المذكور المسمي عندهم بالتوحيد الخاصي انهم يرون حقائق الأشياء في العالم ماهيات و من ناحية اخري لا يعقل اصالة الماهية و الوجود كليهما فلزمهم أن يقولوا ان الموجود واحد و هو وجود الباري و بقية الموجودات ماهيات لها انتساب الي الوجود و الظاهر ان الالتزام بهذا القول لا يوجب الكفر لكن اصل المطلب خلاف التحقيق إذ قد ثبت في الفلسفة ان الأصيل هو الوجود و إن كان المراد بوحدة الوجود التوحيد أخص الخواص أي الوجود و الموجود في عين الكثرة واحدا فان كان مرجعه الي القول الأول فقد تقدم حكمه و إن كان المراد أمرا آخر فلا بد من تعقله أولا ثم ترتيب الحكم عليه وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ و عليه

التوكّل و التكلان.

النوع الحادي عشر: الكتابي
اشارة

فانّ مقتضي الأصل فيه هي الطهارة بمقتضي قاعدتها في أنّ كل شي شك في طهارته و نجاسته يحكم بطهارته بلا فرق بين أن تكون الشبهة حكمية أو موضوعية و هل يمكن اثبات الطهارة في مورد الشبهة الحكمية بالاستصحاب إذ يشك في انّ الشارع هل حكم بنجاسة الشي ء الفلاني أم لا؟ يكون مقتضي الاستصحاب عدم اعتبار النجاسة.

الذي يختلج بالبال أن يقال يشكل اثباتها بالاستصحاب إذ كما ان مقتضي الاستصحاب عدم اعتبار النجاسة كذلك يكون مقتضي الاستصحاب عدم اثبات الطهارة و بعبارة اخري اذا فرضنا أنّ الموضوع لا بد أن يكون محكوما بحكم واقعي في وعاء الشرع فيشك في كون ذلك الحكم هي النجاسة أو الطهارة فلا أثر لاستصحاب عدم جعل النجاسة إذ اثبات الطهارة بالأصل المذكور يرجع الي المثبت الذي لا نقول به مضافا الي كونه معارضا باستصحاب عدم جعل الطهارة فلا مناص عن التوسل بذيل عناية أصالة الطهارة الجارية في جميع الأشياء.

و بعبارة واضحة جريان الاستصحاب أو أصل الطهارة متقوّم بالشك في الحكم

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 121

الواقعي و ان شئت قلت انه لا يمكن خلو الواقعة عن الحكم المشترك بين الجاهل و العالم و الّا يلزم التصويب المجمع علي بطلانه و الدور المحال بحكم العقل.

و مما ذكر يظهر الاشكال في جريان استصحاب عدم الحرمة و الوجوب في موارد الشك في أصل الحكم التكليفي فلو شك في حرمة شرب التتن لا مجال للتوسل باستصحاب عدم الحرمة إذ يعارضه استصحاب عدم الحلية و هذا أمر مهم و نكتة ينبغي التحفظ عليها و بهذا الاعتبار نقول لا مجال للقول بانّ البراءة الجارية في الشبهات الحكمية لا زالت محكومة بالاستصحاب إذ الحق علي ما

تقدم دائما يكون الاستصحاب الجاري في الحكم الاقتضائي معارضا باستصحاب عدم جعل الحكم الترخيصي و لعلّ ما افدته لم يسبقني اليه سابق و له الشكر علي ما أنعم و الحمد للّه علي ما ألهم.

إذا عرفت ما تقدم نقول لا بد من ملاحظة الادلة فلو قام دليل علي نجاسة الكتابي نأخذ به و الّا نحكم بطهارته بمقتضي اصالة الطهارة.

و ما يمكن أن يقال أو قيل في تقريب نجاسته وجوه:

الوجه الأول: الاجماع المدعي في المقام و يرد عليه الايراد العام الجاري في الاجماعات المنقولة و المحصلة و الحاصل أنه لو ثبت اجماع كاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام فهو و الّا فلا أثر له.

الوجه الثاني: قوله تعالي: وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰاريٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ يُضٰاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰي يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 122

يُشْرِكُونَ «1» بتقريب انّ المستفاد من الآية الشريفة انّ اليهود و النصاري مشركون هذا من حيث الصغري و اما من حيث الكبري فقد تقدم ان المشرك نجس هذا بالنسبة الي اليهود و النصاري و أما المجوس فعلي فرض كونهم أهل الكتاب كما يظهر من بعض الروايات «2» فهم مشركون بلا اشكال إذ هم قائلون بتعدد الاله و يقولون بان يزدان خالق النور و الخير و اهريمن خالق الظلمة و الشر و في المقام اشكالات في الاستدلال بالآية الشريفة بالتقريب المذكور.

الاشكال الأول: أن النجس بالمعني الشرعي أمر حادث و لم يكن المراد منه في الصدر الاول

المعني الشرعي و قد تقدم الكلام حول هذه الجهة و ذكرنا ان الأمر ليس كذلك مضافا الي أنّ مقتضي الاستصحاب القهقري أنّه كان في الصدر الأول بهذا المعني الشرعي عندنا.

الاشكال الثاني: أنه قوبل بين الكفر و الشرك في الآية الشريفة و التقسيم قاطع للشركة فلا جامع و يرد عليه انّ المستفاد من الآية الشريفة أنّ المشرك نوع من أنواع الكافر و أيضا يستفاد منها أنّ الكتابي مشرك في نظر الشارع و بعبارة اخري ان الكتابي مشرك بالحكومة و التنزيل فاذا اعتبر الشارع النصراني مشركا في وعاء الشرع يترتب عليه حكم المشرك.

الاشكال الثالث: انّ الشرك له مراتب و لا يكون كل شرك مساو مع غيره بل مراتب الشرك كثيرة و لا يخلو منه الا الاوحدي من الناس كمولي الموحدين أرواحنا فداه و عليه لا يمكن اثبات أنّ الكتابي مشرك بحد شرك المشركين.

و يرد عليه أنّه لو استفيد من الدليل ان الكتابي مشرك يترتب عليه حكمه بلا اشكال كما أنه يترتب حكم الخمر علي الفقاع بعد قوله عليه السّلام الفقاع خمر و بعبارة

______________________________

(1) التوبة: 30 و 31.

(2) الوسائل الباب 49 من أبواب جهاد العدو الحديث 1- 3- 5- 7- 8- 9.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 123

اخري مقتضي اطلاق التنزيل ان المنزل في رتبة المنزل عليه.

الاشكال الرابع: و هو العمدة أنه لا دليل لدينا حكم فيه بان الكتابي مشرك بل غاية ما يستفاد من الآية الشريفة أنه اسند اليهم الشرك و يمكن أن يكون الاسناد مجازا.

و بعبارة واضحة ليس الشارع الأقدس في مقام التشريع و جعل الحكم بل مجرد الاسناد و لعلّ الاسناد اسناد مجازي و لا مجال لإجراء اصالة الحقيقة إذ اصالة الحقيقة أصل عقلائي لا

اصل تعبدي أي لو شك في أنّ المتكلّم استعمل اللفظ في المعني الحقيقي أو المجازي يجري الاصل و أما لو علمنا بالمراد و شك في أنّ الاستعمال حقيقي أو مجازي لا طريق الي الاحراز فهذا الوجه كالوجوه السابقة في عدم وفائه بإثبات المطلوب.

إن قلت يستفاد من الجملات المتقدمة علي هذه الجملة انّ اليهود و النصاري من المشركين إذ قد صرح في الآية أنهم اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً و هذا نص في كونهم مشركين فلا يتوقف الاستدلال بالتوسل الي ذيل الآية كي يرد فيه الاشكال المتقدم.

قلت: يستفاد من روايات كثيرة أنهم لم يتخذوهم أربابا بل اطاعوهم في كل ما أمروهم به و المفسرون ذهبوا الي هذا المذهب و يستفاد هذا المعني من الآية الشريفة قال اللّه تبارك و تعالي: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً فيعلم أنّ المراد من الجملة السابقة انّ اطاعتهم سميت باتخاذهم أربابا و المناسبة تقتضي هذا المعني و لذا يقال في العرف كأن فلانا ربّه فانه يطيعه في ما أمره به و ينهاه عنه و من الروايات التي تدل علي المدعي ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ فقال أما و اللّه ما دعوهم الي عبادة انفسهم و لو دعوهم الي عبادة أنفسهم لما اجابوهم و لكن

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 124

احلّوا لهم حراما و حرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون «1».

و ما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ فقال: و

اللّه ما صاموا لهم و لا صلوا لهم و لكن احلوا لهم حراما و حرّموا عليهم حلالا فاتبعوهم «2» فان المدعي يستفاد من الحديثين بالصراحة.

الوجه الثالث: جملة من النصوص فلا بد ملاحظتها و استخراج النتيجة منها فنقول من تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمّة و المجوس فقال لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر «3» بتقريب انّ النهي عن الأكل في آنيتهم يدل علي نجاستهم.

و يردّ عليه انّ النهي ظاهر في التحريم و لا وجه لحمل النهي في الحديث لأجل النجاسة و مقتضي الاطلاق حرمة الأكل في آنيتهم و لو بعد غسلها و علي الجملة الجزم بالتقريب المذكور مشكل فان قام الدليل علي الجواز بعد الغسل فهو و الّا نلتزم بالحرمة.

و مما يؤيد ما ذكرنا أنه علي القول بعدم تنجس المتنجس كما هو الحق لا وجه لحرمة الأكل في آنيتهم من باب النجاسة و يضاف الي ذلك كله ان مقتضي الاطلاق حرمة الأكل حتي في صورة كون المأكول جافا و كذلك الآنية فيكون وجه التحريم آمرا آخر فلاحظ.

و منها ما رواه عبد اللّه بن يحيي الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) الوسائل الباب 14 من أبواب، النجاسات الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 125

مسلمين يأكلون و حضرهم رجل مجوسي أ يدعونه الي طعامهم فقال امّا أنا فلا أؤاكل المجوسي و أكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم «1» و التقريب هو التقريب و الاشكال

هو الاشكال مضافا الي أنّ المستفاد عدم التحريم.

و يضاف الي ما ذكر النقاش في توثيق الكاهلي إذ قيل في حقه كان وجها عند أبي الحسن عليه السّلام و وصّي به علي بن يقطين فقال اضمن لي الكاهلي و عياله أضمن لك الجنة فانه لم يوثق صريحا و مجرد هذه العناية من الامام عليه السّلام بالنسبة اليه لا تكون دليلا علي كونه ثقة إذ يمكن أنّ الشخص غير ثقة في أقواله و في عين الحال لا يكون فاسقا إذ يمكن أن يكون قاصرا بالاضافة الي أنّ الامام إذا لم يعمل علي طبق علمه بالمغيّبات و يري شخصا مخلصا في أفعاله و في ولائه و ترويجه للدين يكون راضيا عنه و يدعو له و يمكن أن يوصي الثالث به و علي الجملة يشكل الجزم بوثاقة شخص ما لم يوثق صريحا و يضاف الي ما ذكر انّ الحديث وارد في المجوسي و المجوسي مشرك و قد تقدّم انّ المشرك نجس و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل صافح رجلا مجوسيا قال يغسل يده و لا يتوضّأ «2» بتقريب انّ الأمر بالغسل ارشاد الي النجاسة و فيه انّ الحديث وارد في المجوسي و الكلام في غيره مضافا الي أنّ مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين كون المصافحة مع الرطوبة المسرية أو بدونها و كيف يلتزم بالرواية مع اليبوسة و الحال انّه دل الدليل علي انّ كل يابس ذكي لاحظ ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال:

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب

النجاسات الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 126

كلّ شي ء يابس ذكي «1» و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسي عليه السّلام قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه في فراش واحد و اصافحه قال: لا «2» و الحديث وارد في المجوسي و الكلام في غيره و منها ما رواه هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنّي اخالط المجوس فآكل من طعامهم قال: لا «3» و الحديث وارد في المجوسي مضافا الي أنّه لا دلالة في الحديث علي النجاسة و منها ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهما السّلام في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني قال: من وراء الثوب فان صافحك بيده فغسل يدك «4» و الظاهر أنّه يستفاد من الحديث نجاسة اليهودي و النصراني و حيث انه علم من الخارج انّ كل يابس ذكي ترفع اليد عن اطلاق الحديث و يقيد بصورة وجود الرطوبة المسرية و منها ما رواه علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسي بن جعفر عليه السّلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام قال: اذا علم أنه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام الا أنّ يغتسل وحده علي الحوض فيغسله ثم يغتسل و سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة قال لا الا أن يضطر إليه «5» بتقريب انّ المستفاد من الخبر أنّ الكتابي نجس فيوجب نجاسة ما في الحوض فلا يجوز الغسل.

و يمكن أن يقال انّ الحديث يدل علي طهارة الكتابي فان المستفاد من ذيل الحديث جواز الوضوء بالماء الذي أدخل الكتابي يده فيه غاية الأمر في صورة

______________________________

(1) الوسائل الباب 31

من أبواب أحكام الخلوة الحديث 5.

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 6.

(3) نفس المصدر الحديث 7.

(4) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 5.

(5) نفس المصدر الحديث 9.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 127

الاضطرار و الحال أنه لو لم يجز لا تصل النوبة الي الاضطرار إذ تصل النوبة الي التيمم.

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن فراش اليهودي و النصراني ينام عليه قال لا بأس و لا يصلي في ثيابهما و قال لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة و لا يقعده علي فراشه و لا مسجده و لا يصافحه قال: و سألته عن رجل اشتري ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصح الصلاة فيه قال: ان اشتراه من مسلم فليصل فيه و إن اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتي يغسله «1» و الحديث غير دال علي نجاسة الكتابي إذ المنع عن الصلاة في ثيابهم يمكن أن يكون بلحاظ النجاسة العرضية مضافا الي أنه تدل جملة من الروايات علي الجواز منها ما رواه معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس و هم أخباث و هم يشربون الخمر و نساؤهم علي تلك الحال ألبسها و لا أغسلها و أصلّي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له ازرارا و رداء من السابري ثمّ بعثت بها اليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها الي الجمعة «2» و منها ما رواه المعلي بن خنيس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول

لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس و النصاري و اليهود «3» و منها ما رواه أبو علي البزاز عن أبيه قال: سألت جعفر بن محمد عليه السّلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب اصلّي فيه قبل أن يغسل قال: لا بأس و أن يغسل احبّ

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 10.

(2) الوسائل الباب 73 من أبواب النجاسات الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الأنوار البهية في القواعد الفقهية، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1423 ه ق الأنوار البهية في القواعد الفقهية؛ ص: 128

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 128

إليّ «1» و يستفاد عدم نجاستهم من جملة من النصوص منها ما رواه ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السّلام الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة قال: لا بأس تغسل يديها «2» فان هذا الحديث احدث من النصوص الدالة علي النجاسة و حيث انّ المرجح الوحيد الاحدثية يكون الترجيح مع ما يدل علي الطهارة و يؤيد المدعي جملة اخري من النصوص منها ما رواه عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مؤاكلة اليهودي و النصرانيّ و المجوسيّ فقال اذا كان من طعامك و توضّأ فلا بأس «3» و ان أبيت عن الترجيح تصل النوبة الي التعارض و التساقط و المرجع بعد التساقط قاعدة الطهارة.

بقي شي ء و هو أنّ المستفاد من حديث ابن مسلم «4» نجاسة المجوسي و يستفاد من حديث عيص المتقدم آنفا طهارته و حيث انّ حديث عيص أحدث فان ذلك الحديث مروي عن الباقر عليه السّلام و هذا الحديث مروي

عن الصادق عليه السّلام فيقدم بالأحدثية فان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن هذا كله بالنسبة الي الأمم السابقة.

و أمّا غير الامامية الاثني عشرية من بقية أصناف هذه الامة فان قلنا بانّ الولاية مقومة للإسلام يحكم علي من لا يكون اثني عشريا بالكفر و لكن لا شبهة في عدم وجوب الاجتناب عنهم بل يجوز مساورتهم و أكل ذبائحهم و التزويج معهم علي ما هو المقرر في بابه و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و الصلاة علي محمّد و آله الطاهرين المعصومين و اللعن الدائم علي أعدائهم الي يوم الدين آمين يا رب العالمين.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5.

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 11.

(3) الوسائل الباب 54 من أبواب النجاسات الحديث 1.

(4) لاحظ ص 125.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 129

و حيث انه انجر الكلام الي بحث انحصار المرجح في باب التعارض في الاحدثية رأينا ان المناسب ان نذيل البحث بهذه الجهة و نبيّن ما هو الحق في ذلك البحث و ان باحثنا و كتبنا لكن لأهمية المطلب و كونه مورد الابتلاء في الأبحاث الفقهية ينبغي التعرض لها و بيان ما هو الحق عندنا بحسب ما يختلج ببالنا.

[مرجحات باب التعارض]

فنقول مقتضي القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين الذين لا يكونان قابلين للجمع هو التساقط و الرجوع الي الدليل الاجتهادي الفوق ان كان و الّا فالي الأصل العملي و في المقام طوائف من النصوص تدل علي كيفية علاج المتعارضين في الروايات و لا بد من ملاحظة تلك الطوائف و استنتاج النتيجة منها.

الطائفة الأولي: ما يستفاد منها وجوب التوقف منها حديث عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا

بينهما منازعة في دين أو ميراث الي أن قال: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنّة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة قلت: جعلت فداك أ رأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرين يؤخذ فقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال: ينظر الي ما هم اليه اميل حكّامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالآخر قلت: و إن وافق حكّامهم الخبرين جميعا قال: إذا كان ذلك فأرجئه حتي تلقي امامك فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 130

فان المستفاد من هذه الرواية انه اذا لم يكن مرجح لأحد الطرفين تصل النوبة الي التوقف الي ان يصل المكلف الي الامام عليه السّلام و يسئله عن الحكم.

و هذه الرواية مخدوشة سندا فان ابن حنظلة لم يوثق قال الحر قدّس سرّه في ترجمة الرجل لم ينص الاصحاب عليه بتوثيق و لا جرح و لكن حققنا توثيقه من محل آخر.

قاله الشهيد الثاني في شرح الدراية و قد تقدم في أحاديث التوقيت قول الصادق عليه السّلام اذا لا يكذب علينا و ليكن هذا بذكرك ينفعك فيما يأتي و علي الجملة لا اعتبار بالحديث سندا مضافا الي ان المستفاد منه حكم زمان الحضور أي الزمان الذي يمكن الوصول الي حضور الامام عليه السّلام و الكلام في حكم زماننا الذي لا يمكن

الوصول الي الامام عليه السّلام و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه و الآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه «1» و المستفاد من هذه الرواية اختصاص الحكم بزمان يمكن الوصول الي الواقع لا مثل زماننا الذي لا يمكن.

و منها ما رواه سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا الأخذ به و الآخر ينهانا عنه قال لا تعمل بواحد منهما حتي تلقي صاحبك فتسئله عنه قال قلت لا بد من ان نعمل بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة «2» و المرسل لا اعتبار به مضافا الي أن الحكم خاص بزمان الحضور الذي يمكن الوصول الي الامام عليه السّلام و منها ما رواه في السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال لعلي بن محمد عليه السّلام ان محمد بن علي بن عيسي كتب اليه

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.

(2) جامع الأحاديث ج 1 ص 266 الحديث 32.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 131

يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك و اجدادك عليهم السّلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به علي اختلافه أو الرد إليك فيما اختلف فيه فكتب عليه السّلام ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لم تعلموا فردّوه إلينا «1».

و المستفاد من هذه الرواية ارجاع الأمور اليهم و عدم الأخذ باحد الطرفين عند المعارضة و هذا الاطلاق قابل لان يقيد بما يدل علي الأخذ بالطرف الذي يكون فيه الترجيح.

الطائفة الثانية:

ما يدل علي التخيير منها ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السّلام انه قال قلت للرضا عليه السّلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنه (عنا) فقسه علي كتاب اللّه عزّ و جلّ و احاديثنا فان كان يشبهها فهو منّا و إن لم يشبهها فليس منّا قلت يجيئنا الرّجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايّهما الحق فقال اذا لم تعلم فموسّع عليك بايّهما أخذت «2»

و المرسل لا اعتبار به و منها ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

اذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسّع عليك حتي تري القائم فترده عليه «3» و المرسل لا اعتبار به مضافا الي أن المستفاد من الحديث حجية قول الثقة و لا يرتبط بما نحن بصدده و منها مرفوعة العلامة الي زرارة بن أعين قال:

سألت الباقر عليه السّلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ قال عليه السّلام يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر فقلت يا سيدي أنهما معا مشهوران مرويّان مأثوران عنكم فقال عليه السّلام خذ بقول أعدلهما عندك و اوثقهما في نفسك انّهما معا عدلان

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 36.

(2) جامع الأحاديث ج 1 ص 260 الحديث 20.

(3) نفس المصدر الحديث 21.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 132

مرضيان موثقان فقال عليه السّلام انظر ما وافق منهما مذهب العامة اتركه و خذ بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع فقال عليه السّلام اذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك و اترك ما خالف الاحتياط فقلت انّهما معا موافقان للاحتياط

أو مخالفان له فكيف اصنع فقال عليه السّلام اذا فتخيّر احدهما فتأخذ به و تدع الآخر «1» و المرفوعة لا اعتبار بها و منها ما أرسله الكليني في ديباجة كتاب الكافي فأعلم يا أخي ارشدك اللّه أنه لا يسع أحدا تمييز شي ء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السّلام برأيه الّا علي ما اطلعه العالم عليه السّلام بقوله اعرضوها علي كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه جلّ و عزّ اقبلوه (فخذوه) و ما خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فردوه و قوله عليه السّلام دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم و قوله عليه السّلام خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه و نحن لا نعرف من جميع ذلك الّا اقلّه و لا نجد شيئا أحوط و لا اوسع من ردّ علم ذلك كله الي العالم عليه السّلام و قبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم «2» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه ابن مهزيار: جواز اتيان النافلة علي البعير من أبواب القبلة قوله فروي بعضهم ان صلهما في المحمل و روي بعضهم لا تصلهما الّا علي الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لاقتدي بك في ذلك فوقّع عليه السّلام موسّع عليك بأيّة عملت «3» و لا يستفاد المدعي من هذه الرواية بل المستفاد منها التخيير بالنسبة الي النافلة و منها مكاتبة محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري الي صاحب الزمان عليه السّلام الي أن قال عليه السّلام في الجواب عن ذلك حديثان اما احدهما

______________________________

(1) جامع الأحاديث ج 1 ص 255 الحديث 2.

(2) جامع الأحاديث ج 1 ص 255 الحديث 3.

(3) نفس المصدر

ص 269 ذيل الحديث 42.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 133

فاذا انتقل من حالة الي اخري فعليه التكبير و امّا الآخر فانه روي انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير و كذلك التشهد الأول يجري هذا المجري و بايّهما اخذت من باب التسليم كان صوابا «1» و يرد عليه أولا أنه حكم وارد في مورد خاص و ثانيا ان غاية ما في الباب هو الاطلاق و مقتضي القاعدة تقييد المطلق بالمقيد فاذا قام دليل علي الترجيح يقيد الاطلاق به و منها ما في الفقه الرضوي: ففي فقه الرضا عليه السّلام و النفساء تدع الصلاة اكثره مثل ايّام حيضها الي ان قال: و قد روي ثمانية عشر يوما و روي ثلاثة و عشرون يوما و بأيّ هذه الأحاديث أخذ من جهة التسليم جاز «2» و الحديث غير معتد به فالنتيجة انه لا دليل علي التخيير و لو سلم تمامية الدليل عليه فهل يكون ابتدائيا أو استمراريا و قد ذكر للاستمرار وجهان الوجه الأول استصحاب التخيير.

و يرد عليه أن الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثاني: اطلاق دليل التخيير و الظاهر ان هذا الوجه لا بأس به الّا أن يبتلي المكلف بالعلم الإجمالي بالخلاف مع الواقع فلا بد من العمل علي طبق القواعد و الحاصل انا لا نري مانعا عن الأخذ بالاطلاق في حد نفسه.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي الاحتياط و الدليل عليه مرفوعة العلامة «3» و تقدم ان المرفوعة لا اعتبار بها.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي تقديم ما يكون مخالفا مع العامّة منها ما رواه

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من

أبواب صفات القاضي الحديث 39.

(2) المستدرك الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 12.

(3) لاحظ ص 131.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 134

الحسين بن السريّ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم «1» و الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسل مضافا الي ما في السند من الاشكال غير ما ذكر.

و منها ما رواه الحسن بن الجهم قال: قلت للعبد الصالح عليه السّلام هل يسعنا فيما ورد علينا منكم الّا التسليم لكم فقال لا و اللّه لا يسعكم الّا التسليم لنا فقلت فيروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام شي ء و يروي عنه خلافه فبايهما نأخذ فقال خذ بما خالف القوم و ما وافق القوم فاجتنبه «2» و هذه الرواية مخدوشة سندا بابي البركات فان الرجل لم يوثق صريحا نعم قال الحر قدّس سرّه في تذكرة المتبحّرين الشيخ أبو البركات علي بن الحسين الجوزي الحلي عالم صالح محدث يروي عن أبي جعفر بن بابويه «3».

و يمكن النقاش في دلالة هذه العبارة علي التوثيق من وجوه:

الوجه الأول: ان ديدن الرجالي بالنسبة الي من يراه ثقة التعبير بالوثاقة و لا يكتفون بقولهم صالح أو دين لاحظ ما افاده الحر بنفسه في ترجمة علي بن عبد العالي قال: كان فاضلا عالما متبحرا محققا مدققا جامعا كاملا ثقة زاهدا عابدا ورعا جليل القدر عظيم الشأن فريدا في عصره «4».

إن قلت اذا لم يكن محرز الوثاقة كيف يكون صالحا و كيف يصدق عليه عنوان الصلاح.

قلت: اذا كان الأمر كذلك فما الوجه في قوله ثقة في ترجمة علي بن عبد العالي مع

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 30.

(2) نفس المصدر،

الحديث 31.

(3) معجم رجال الحديث ج 11 ص 275 الرقم 8069.

(4) معجم رجال الحديث ج 12 ص 73 الرقم 8246.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 135

تصريحه بكونه ورعا مضافا الي أنه اذا كان الشخص ظاهر الصلاح يحضر الجماعة للصلاة و يزور الأئمة عليهم السّلام و يبكي في مجالس التعزية يصح أن يقال في حقه صالح و هذا العرف ببابك و الذي يدل علي صحة هذه المقالة انه لو قيل في حق شخص أنه صالح هل يكون هذه الجملة شهادة علي عدالته؟

الوجه الثاني: ان الحر قدّس سرّه قال في الفائدة الثانية عشرة من فوائده في الخاتمة من الوسائل: انما نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة علي صحة النقل و ثبوته و اعتماده و ذلك أقسام و قد يجتمع منها اثنان فصاعدا منها من نص علماؤنا علي ثقته مع صحة عقيدته و منها من نصوا علي مدحه و جلالته و إن لم يوثقوه مع كونه من اصحابنا الي آخر كلامه.

فيمكن ان يكون توثيقه من باب كون الموثق ممدوحا فيمكن ان يكون قوله صالح مستندا الي فعل فرض كونه شهادة بالصلاح فشهادته علي الوثاقة لا أثر له مع هذا الاحتمال.

الوجه الثالث: أنه قابل في كلامه بين التوثيق و المدح و التقسيم قاطع للشركة فمجرد المدح بقوله صالح لا يدل علي توثيقه.

الوجه الرابع: أنه قال في جملة كلام له و منها من وقع الاختلاف في توثيقه و تضعيفه فان كان توثيقه ارجح فوجوده في السند قرينة و الّا فاذكره لينظر في الترجيح.

فانه يظهر من هذه العبارة أنه يجتهد في تشخيص الوثاقة و من الظاهر أنّ اجتهاد الشاهد لا أثر له.

الطائفة الخامسة: ما يدل علي الترجيح بموافقة

الكتاب منها ما رواه الحسن ابن الجهم «1» و المرسل لا اعتبار به.

______________________________

(1) لاحظ ص 131.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 136

و منها ما رواه أحمد بن الحسن الميثمي أنه سأل الرضا عليه السّلام يوما و قد اجتمع عنده قوم من أصحابه … (الي أن قال) فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما علي كتاب اللّه فما كان في كتاب اللّه موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب الحديث «1» و السند مخدوش.

الطائفة السادسة: ما يدل علي تقديم موافق الكتاب أولا و بمخالفة القوم ثانيا لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قال الصادق عليه السّلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما علي كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فخذوه و ما خالف كتاب اللّه فردوه فان لم تجدوهما في كتاب اللّه فاعرضوهما علي أخبار العامّة فما وافق اخبارهم فذروه و ما خالف اخبارهم فخذوه «2» و السند مخدوش بأبي البركات.

[الترجيح بالأحدثية و بيان لسيدنا الأستاد و المناقشة فيه]

الطائفة السابعة: ما يدل علي تقديم الأحدث لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له ما بال اقوام يروون عن فلان و فلان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لا يتهمون بالكذب فيجي ء منكم خلافه قال ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن «3» و أورد عليه سيدنا الاستاد قدّس سرّه بان ضرورة المذهب قائمة علي عدم جواز نسخ القرآن أو السنة بالخبر الظني فلا بد من رفع اليد عن الحديث و بعبارة اخري الكلام في الخبر الظني لا في الخبر القطعي صدورا كما أنه لا اشكال في تخصيص الكتاب أو السنة بالخبر الظني و الكلام في النسخ.

و الجواب أنه

لم يفرض في الحديث كونه مقطوع الصدور بل مطلق من هذه الجهة و لأجل الضرورة المدعاة نرفع اليد عن الاطلاق مضافا الي أن الميزان

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 21.

(2) نفس المصدر الحديث 29.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 137

باطلاق الجواب لا بخصوص السؤال و مقتضي اطلاق الجواب جواز النسخ علي الاطلاق أي أعم من ان يكون كلا الخبرين عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو كلاهما عن غيره من الائمة عليهم سلام اللّه أو بالاختلاف و علي جميع التقادير مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين مقطوع الصدور أو مظنونه و بمقتضي الضرورة المدعاة نرفع اليد عن الاطلاق بمقدار قضاء الضرورة فلا اشكال و لاحظ ما رواه منصور بن حازم قال:

قلت لأبي عبد اللّه ما بالي اسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال انا نجيب الناس علي الزيادة و النقصان قال: قلت فاخبرني عن اصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صدقوا علي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أم كذبوا قال بل صدقوا قال قلت فما بالهم اختلفوا فقال أما تعلم ان الرجل كان يأتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا «1» فانه يستفاد من هذه الرواية بوضوح أن الأحاديث ينسخ بعضها بعضا و بعبارة واضحة الامام عليه السّلام في ذيل الحديث اعطي قاعدة كلية و ميزانا كليا لعلاج التعارض و هو الأخذ بالأحدث.

إن قلت لفظ الأحاديث الواقع في الذيل بلحاظ العهد

الذكري يختص بالأخبار النبوية.

قلت: علي فرض تسليم المدعي يفهم المدعي من الحديث أيضا إذ طبق عليه السّلام هذه الكلية علي المتعارضين الصادرين عنهم مضافا الي أن دعوي العهد جزافية و لا دليل عليها و تؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أ رأيتك لو حدثتك بحديث العام

______________________________

(1) الكافي: ج 1 ص 65 الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 138

ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايّهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالأخير فقال لي رحمك اللّه «1» و منها ما رواه الكليني قال و في حديث آخر: خذوا بالأحدث «2» و منها ما رواه أبو عمرو الكناني قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام يا أبا عمرو أ رأيت لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ قلت: بأحدثهما و أدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرو أبي اللّه ألا أن يعبد سرا أما و اللّه لئن فعلتم ذلك أنه لخير لي و لكم أبي اللّه عزّ و جلّ لنا في دينه الّا التقية «3» فان هذه النصوص و إن كانت غير تامة سندا لكن لا اشكال في كونها مؤيدة للمدعي

[القائلون بالأحدثية]

و لا يخفي أنّي لا أكون متفردا في هذه الدعوي فان جملة من الاساطين صرحوا بأن مقتضي النص الأخذ بالأحدث منهم صاحب الحدائق قال:

الرابع يستفاد من الروايات الأخيرة أن من جملة الطرق المرجحة عند التعارض الأخذ بالأخير «4» و قال: قد ورد عنهم عليهم السّلام أنه اذا أتي حديث عن أولهم و

حديث عن آخرهم أو عن واحد منهم ثم أتي عنه بعد ذلك ما ينافيه أنه يؤخذ بالأخير في الموضعين «5» و منهم الصدوق قال و لو صحّ الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق عليه السّلام «6» و منهم النراقي قال: و لا شك ان الايجاب المتأخر مناف للتحليل المتقدم فيحصل التعارض و تترجّح أخبار الوجوب

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 7.

(2) نفس المصدر الحديث 9.

(3) نفس المصدر الحديث 17.

(4) الحدائق ج 1 ص 105.

(5) نفس المصدر: ج 11 ص 451.

(6) الفقيه: ج 4 ص 151.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 139

بمعاضدة الشهرة القديمة و الجديدة و موافقة الآية الكريمة «1» و مخالفة الطائفة العامة و بالاحدثية التي هي أيضا من المرجحات المنصوصة «2» و قال في جملة كلام له: الا أنها مترجحة بالاكثريّة و الاصحيّة و الموافقة للأصل و بعضها بالأحدثية التي هي من المرجحات المنصوصة «3».

______________________________

(1) الانفال: 41.

(2) مستند الشيعة: ج 10 ص 118.

(3) نفس المصدر: ص 278.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 140

القاعدة التاسعة قاعدة نفي سبيل الكافر علي المسلم

قد ذكر في عداد القواعد الفقهية قاعدة نفي سبيل الكافر علي المسلم و يقع البحث في هذه القاعدة تارة في بيان المراد منها و اخري في الوجوه القابلة للاستدلال بها، فيقع الكلام في مقامين:

أما المقام الأول فلا اشكال في أنه لا يكون المراد نفي السبيل التكويني الخارجي إذ من الواضح أن الكافر و لو في الجملة له سلطة علي المسلم و هذا غير قابل للإنكار فلا بد أن يكون المراد من الجملة ان الشارع الأقدس لم يجعل في وعاء الشرع علوا للكافر علي المسلم.

و أما المقام الثاني: فقد ذكرت وجوه للاستدلال بها

علي المدعي:

الوجه الأول: قوله تعالي: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «1» بتقريب أن المستفاد من الآية نفي السبيل للكافر علي المسلم و قد حقق في محله أن النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم.

و يرد عليه ان الآية مقرونة بما قبلها و الظاهر من مجموع الآية الشريفة بمناسبة ما ذكر قبل هذه الجملة ان اللّه تعالي عند الحساب و المحاكمة بين الطرفين لن يجعل للكافر حجة توجب غلبته علي المسلم و إن أبيت فلا أقلّ من أنّ الآية الشريفة

______________________________

(1) النساء: 141.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 141

مقرونة بما يصلح للقرينية و هذا مانع عن انعقاد الظهور في المدعي و يؤيد ما ذكر ما ورد من النص في ذيل الآية الكريمة لاحظ ما رواه علي بن ابراهيم: أنها نزلت في عبد اللّه بن ابي و أصحابه الّذين قعدوا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من يوم احد فكان إذا ظفر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالكفار قالوا له: «أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ» و اذا ظفر الكفار قالوا: «أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ» ان نعنيكم و لم نعن عليكم قال اللّه: فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «1» و ما رواه ابن بابويه قال: حدثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي رحمه اللّه قال: حدثني أبي قال:

حدثني أحمد بن علي الانصاري عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليه السّلام في قول اللّه جل جلاله وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا قال: فانه يقول: و لن يجعل اللّه للكافرين علي المؤمنين حجة و لقد اخبر اللّه تعالي عن

كفّار قتلوا نبيهم بغير الحق و مع قتلهم ايّاهم لم يجعل اللّه لهم علي أنبيائه عليهم السّلام سبيلا «2» اضف الي ذلك ان كلمة (لن) تدل علي النفي في المستقبل فالآية ترتبط بالمستقبل و لا ترتبط بزمان تشريع الأحكام فلا تلائم ما ادعي في المقام من ان الآية الشريفة في مقام نفي علو الكافر علي المسلم في عالم التشريع فانه لو كان كذلك لكان المناسب ان يقال لم يجعل اللّه و الحال أن المذكور قوله تعالي: لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ.

الوجه الثاني: قوله عليه السّلام الإسلام يعلو و لا يعلي عليه «3» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الإسلام أعلي من كل شي ء فيكون المسلم دائما و في جميع الشؤون أعلي من الكافر.

______________________________

(1) تفسير البرهان: ج 1 ص 423 الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) الفقيه: ج 4 ص 243 الحديث 778.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 142

و فيه أولا: أن الحديث مخدوش سندا و لا اعتبار به و ثانيا ان المستفاد من الحديث علو الإسلام فان الإسلام أعلي من كل دين لكن لا يرتبط علو الإسلام بعلو المسلم فالحديث مخدوش سندا و دلالة.

الوجه الثالث: الاجماع علي أنه ليس في الشريعة حكم يوجب عل الكافر علي المسلم كعدم ارث الكافر من المسلم الي بقية الموارد.

و فيه ان الاجماع بنفسه لا يكون حجة و اعتباره بلحاظ كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام و حيث أنه من المحتمل أن يكون المدرك الوجوه المذكورة في المقام لا يعتد به و من ناحية أخري مقتضي اطلاق النصوص الواردة بالنسبة الي الأحكام الشرعية و كذلك الآيات الشريفة عدم الفرق بين المسلم و الكافر الّا فيما قام الدليل علي التخصيص.

الوجه الرابع: أن مناسبة

الحكم و الموضوع تقتضي الالتزام بالمدعي فان عظمة الإسلام تقتضي عدم علو الكافر علي المسلم.

و الانصاف أن هذا الوجه ليس تحته شي ء و اشبه بالخطابة و الاستحسان فان الأحكام الشرعية ملاكاتها معلومة عند اللّه تعالي و لا تنالها عقولنا كما أن النص قريب من هذا المضمون لاحظ.

ما رواه أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان السنة لا تقاس ألا تري ان المرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها يا أبان انّ السنة اذا قيست محق الدين «1» فالنتيجة أن القاعدة المذكورة لا أصل و لا أساس لها و اللّه الهادي الي سواء السبيل و الّذي يدل علي ما ذكرنا أنهم قالوا اذا كان عبد الكافر مسلما يجبر

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب صفات القاضي الحديث 10.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 143

علي بيعه و الحال أن مقتضي القاعدة المدعاة عدم كون الكافر مالكا للمسلم في وعاء الشرع فلا تصل النوبة الي الاجبار و أيضا يدل علي صحة مقالتنا أنه لا شبهة عندهم في جواز الاستقراض من الكافر و الحال أن جوازه يستلزم خرق القاعدة المدعاة إذ لازمه كون الكافر مالكا لما في ذمة المسلم و هذا نحو سبيل و نحو علو فلاحظ.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 144

القاعدة العاشرة قاعدة حرمة أخذ الاجرة علي الواجبات

قد ذكر في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة حرمة أخذ الاجرة علي الواجب و ما يمكن أن يذكر أو ذكر في تقريب الاستدلال عليها وجوه:

الوجه الأول: الاجماع و حال الاجماع في الاشكال ظاهر.

الوجه الثاني: أن مورد الاجارة يلزم أن يكون مقدورا للمكلف و إذا كان الفعل واجبا لا يكون المكلف قادرا علي الترك فلا يكون المكلف قادرا و مع عدم القدرة

تكون الاجارة باطلة.

و يرد عليه أن المعتبر في باب الاجارة أن يكون قادرا علي تسليم ما عليه من العمل و لا اشكال في أن الوجوب أو الحرمة لا يوجب ارتفاع القدرة عن المكلف كيف و لو كان الامر كذلك كان اللازم تحقق الخلف و نقض الغرض إذ الامر مقدمة لان يأتي المكلف بالعمل و المقصود من النهي انتهائه عن الارتكاب فاذا فرض عدم قدرته كيف يكلف بالفعل أو الترك فان كان المراد من القدرة تمكن المكلف فلا اشكال في أن التكليف لا يرفع قدرته و إن كان المراد امر آخر فلا دليل عليه و صفوة القول أنه لا دليل علي اشتراط عدم كون مورد الاجارة موردا للوجوب أو الحرمة.

الوجه الثالث: أنه يشترط في الاجارة أن يكون فيها غرض عقلائي و حيث أن المستأجر في مفروض الكلام لا غرض عقلائي له تكون الاجارة باطلة.

و يرد عليه أولا أنه لا دليل علي الاشتراط المذكور و ثانيا أنه كيف لا يكون فيه

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 145

غرض عقلائي فان الشخص يحب أن يكون ولده من المصلين و يكون له نفع دنيوي و أخروي و ربما يكون حاضرا لبذل مال كثير للوصول الي هذه الغاية.

الوجه الرابع: أنه يشترط في العبادة قصد القربة و أخذ الاجرة ينافي القصد المذكور.

و فيه أولا أنّه منقوض في استيجار الاجير للصلاة و الصوم و الحج و الزيارة و عليه السيرة بلا نكير من احد و حكم الامثال واحد.

و ثانيا أن الفعل يلزم أن يكون لوجه اللّه و أخذ الاجرة داع لداع قربي و ايّ فرق بين كون أخذ الاجرة داعيا أو كون الفوز بنعيم الجنّة و الفرار عن عذاب النار داعيا.

و ثالثا: أن

أخذ الاجرة لا يكون داعيا للعمل القربي لان ملكية الاجرة تحصل بنفس العقد و لا تتوقف علي العمل الخارجي.

و رابعا: أن القصد القربي ربما يكون آكد اذ المكلف العارف بالحكم الشرعي يعلم أنه لو لم يأت بما وجب عليه بالإجارة لم يأت بما وجب عليه و يستحق العقاب علي عدم تسليم مملوك الغير.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 146

القاعدة الحادية عشرة قاعدة عدم شرطية البلوغ في الأحكام الوضعية

اشارة

قد ذكر في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة عدم اشتراط البلوغ في الأحكام الوضعية و يقع الكلام في هذه القاعدة من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في بيان المراد منها

فنقول المراد من القاعدة أنه فرق بين التكاليف و الوضعيات فان التكاليف تختص بالبالغين كما هو المقرر عند القوم و عليه ارتكاز أهل الشرع و اما الوضعيات فلا تشترط بالبلوغ فان غير البالغ لا تجب عليه الصلاة و الصوم الي غيرهما من الواجبات و لا يحرم عليه محرمات فلا يحرم عليه النظر الي الاجنبية و أما لو اتلف مال الغير فهو له ضامن.

الجهة الثانية: في الوجوه التي ذكرت أو يمكن ان تذكر في مقام الاستدلال

علي المدعي.

الوجه الأول: الاجماع و فيه أنه قد ثبت في محله عدم اعتباره بلا فرق بين منقوله و محصله ألا أن يكون اجماعا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام و انّي لنا بإثبات قيام مثله في المقام مع احتمال أو القطع باستناد القائل بالتفصيل الي ما ذكر في المقام من الوجوه.

الوجه الثاني: العمومات كقوله علي اليد ما أخذت و من اتلف مال الغير فهو له ضامن الي غيرهما من المطلقات أو العمومات.

و يرد عليه أولا: أنه كيف يمكن دعوي شمول الادلة العامة ما يصدر من طفل

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 147

رضيع و هل يشمل قول القائل علي اليد ما أخذت أو هل يشمل قوله من اتلف الاتلاف الصادر من الرضيع؟

و ثانيا: انا نفرض شمول الادلة لكن هذا المقدار مشترك فيه بين التكاليف و الوضعيات و انّما نرفع اليد عن الاطلاق و العموم بلحاظ المقيد و المخصص لاحظ ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة فقال اذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم و الجارية مثل ذلك ان أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها

الصلاة و جري عليها القلم «1» فان مقتضي اطلاق الحديث عدم جريان القلم علي غير البالغ بلا فرق بين قلم التكليف و الوضع و حمل الخبر علي رفع العقوبة بلا دليل و قول بلا علم و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: عمد الصبي و خطأه واحد «2» فان مقتضي اطلاق الحديث ان العمل الصادر عن غير البالغ يعتبر في الشرع الاقدس كونه صادرا عن الخطأ فاذا كان حكم مترتبا علي الخطأ يترتب علي الصادر عن غير البالغ و أما اذا كان الاثر مترتبا علي العمد لا يترتب علي عمل غير البالغ فلا يترتب علي قتله القود و هكذا.

إن قلت مقتضي اطلاق ادلة الضمان عدم الفرق بين البالغ و غيره قلت لا بد من رفع اليد عن اطلاق ادلة الضمان بحديث الرفع لاحظ ما رواه ربعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عفي عن أمتي ثلاث الخطأ و النسيان و الاستكراه قال أبو عبد اللّه عليه السّلام و هنا رابعة و هي ما لا يطيقون «3» و ما رواه

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 12.

(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 2.

(3) الوسائل: الباب 16 من أبواب الايمان الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 148

الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وضع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه «1» و يؤيد المدعي ما قاله المجلسي في جملة من كلامه في شرح الحديث حيث يقول و إن كان ظاهره عدم

الضمان أيضا «2» الي آخر كلامه.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16 من أبواب الايمان الحديث 5.

(2) مرآة العقول: ج 11 ص 388.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 149

القاعدة الثانية عشرة قاعدة حرمة ابطال العبادات بحسب الدليل الشرعي

قد ذكرت في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة حرمة ابطال العبادة و يقع الكلام في هذا المقام تارة من حيث بيان المراد من القاعدة المذكورة و اخري من حيث الدليل الذي يمكن الاستدلال به أو استدل فيقع الكلام في موضعين:

أما الموضع الأول: فنقول ان المراد من القاعدة أن المكلف لو دخل في عبادة لا يجوز له ابطال تلك العبادة و لا يخفي أن المراد من الحرمة المذكورة أنه لا يجوز ابطال فرد من العبادة و تبديلها بفرد آخر منها فلا بد من ان يتصور في مورد يكون التبديل قابلا و اما فيما لا يكون كذلك كما لو لم يكن الوقت واسعا بحيث يوجب البطلان ترك الامتثال و العصيان فحرمته من باب ترك الواجب لا من باب ابطال العبادة فلاحظ.

و أما الموضع الثاني: فما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال وجوه:

الوجه الأول: الاجماع و حاله في الاشكال ظاهر إذ قد ثبت في محله عدم اعتباره لا منقولا و لا محصلا و انما المعتبر منه ما يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام و انّي لنا بذلك.

الوجه الثاني: قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 150

الرَّسُولَ وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ «1» بتقريب ان المستفاد من الآية الشريفة حرمة ابطال كل عبادة بعد الشروع فيها.

و فيه أنه يحتمل أن يكون المراد من الآية النهي عن المعاصي التي توجب بطلان الطاعة لاحظ ما رواه البرقي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه

السّلام عن أبيه عن جده عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من قال سبحان اللّه غرس اللّه له بها شجرة في الجنة و من قال الحمد للّه غرس اللّه له بها شجرة في الجنة و من قال لا آله الّا اللّه غرس اللّه له بها شجرة في الجنة و من قال اللّه أكبر غرس اللّه له بها شجرة في الجنة فقال رجل من قريش يا رسول اللّه ان شجرنا في الجنة لكثير قال: نعم و لكن ايّاكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها و ذلك ان اللّه عزّ و جلّ يقول: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ «2» مضافا الي أن الاعمال تشمل جميع الاعمال الواجبة و المستحبة تعبديا كان أو توصليا و كيف يمكن القول بالحرمة كذلك و الحال أنه لا شبهة في عدم حرمة ابطال الاعمال المستحبة بلا فرق بين التعبدي منها و التوصلي و كذلك و الحال أنه لا شبهة في عدم ابطال العمل الواجب التوصلي و الاتيان بفرد آخر منه و أيضا لا كلام في جواز ابطال الأعمال الواجبة التعبدية الّا بعضها فيلزم تخصيص الأكثر المستهجن فهذا الدليل لا يمكن اثبات المدعي به.

الوجه الثالث: قوله تعالي: يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيّٰايَ فَارْهَبُونِ «3» بتقريب أنه أمر بالوفاء بالعهد و أنه يستفاد من الآية الشريفة أنه لو نوي المكلف عبادة و شرع فيها

______________________________

(1) سورة محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: 33.

(2) تفسير البرهان: ج 4 ص 189 الحديث 1.

(3) البقرة: 40.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 151

معناه

أنه عهد مع اللّه أن يأتي بالعمل الفلاني و لا يبطله فيجب الوفاء به فيحرم ابطاله، و يرد عليه أولا أن الخطاب في الآية الشريفة مع بني اسرائيل فلا ترتبط بالأمة المرحومة.

و ثانيا أن المذكور في الآية عهد اللّه حيث قال عهدي و لم يعلم ما المراد من العهد.

و ثالثا: أنه اذا كان التقريب المذكور تاما يلزم حرمة ابطال جميع الواجبات و المستحبات اذا أتي بها قربة الي اللّه فيعود الاشكال الذي ذكرناه في تقريب الاستدلال بالآية السابقة فلا نعيد فانقدح بما ذكر أنه لا دليل علي هذه القاعدة نعم يمكن الاستدلال علي حرمة ابطال الصلاة بما رواه حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

اذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غير ما لك عليه مال أو حيّة تتخوفها علي نفسك فاقطع الصلاة و اتبع غلامك أو غريمك و اقتل الحية «1» فان مقتضي مفهوم الشرط حرمة ابطالها عند انتفاء الشرط المذكور و بعبارة واضحة ان المستفاد من الحديث ان الاذن في ابطال الصلاة و رفع اليد عنها منوط و مشروط بالامور المذكورة و بمقتضي مفهوم الشرط الذي ثبت في محله عدم الجواز عند انتفائه مضافا الي الاجماع علي حرمة ابطال الصلاة.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 21 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 152

القاعدة الثالثة عشرة قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه

اشارة

قد ذكرت في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية هذه القاعدة و يقع الكلام في هذه القاعدة من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في بيان المراد منها

فنقول المراد من هذه القاعدة انّ المتعاقدين أو أحدهما اذا لم يقدرا العمل بمفاد العقد أو لم يقدر أحدهما يبطل العقد و بقائه يكون لغوا عند العقلاء مثلا اذا باع زيد داره من بكر بألف دينار و لم يمكن للبائع تسليم الدار لعلة أو لم يقدر المشتري أن يدفع الثمن يبطل البيع و قس عليه بقية الموارد.

و صفوة القول أنّ الوفاء اذا لم يمكن في كل عقد يكشف عن بطلان ذلك العقد.

الجهة الثانية: في مدرك هذه القاعدة و دليلها

و قد ذكرت في تقريب الاستدلال عليها وجوه:

الوجه الأول: الاجماع و فيه أن المنقول منه لا اعتبار به و اما المحصل منه فعلي فرض حصوله لا يكون حجة الّا علي فرض كونه كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام و حيث أنه محتمل المدرك لا يكون كاشفا فلا يعتد به.

الوجه الثاني: أن صحة العقد تلازم وجوب الوفاء به و ان شئت فقل المراد من صحة العقد ان المتعاقدين يجب عليهما أن يوفي كل واحد منهما به و الوفاء بالعقد عبارة عن ترتيب الأثر ففي البيع عبارة عن تسليم العين و تسليم الثمن و في الإجارة عبارة عن تسليم العين المستأجرة و تسليم مال الاجارة و هكذا فلو لم يمكن الوفاء

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 153

لا يتوجه الأمر بالوفاء إذ لا يعقل الامر بغير المقدور فلا مجال لصحة العقد إذ الشي ء ينهدم بانهدام أركانه أو واحد منها هذا ملخص ما قيل في هذا المقام.

و التقريب المذكور بمراحل عن الواقع توضيح الحال أن الوفاء عبارة عن الاتمام و لذا يقال الدرهم الوافي أي التام فالأمر بالوفاء في قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أمر بالاتمام مثلا من يبيع داره و يعقد مع المشتري علي أن تكون الدار

له في قبال ماءة دينار مثلا يجب عليه بمقتضي الآية الشريفة أن يفي بالعقد المذكور و يتمّه و لا يفسخه و حيث ان الفسخ غير محرم قطعا يكون المراد بالأمر بالوفاء ارشادا الي اللزوم أي البيع لازم و غير قابل للفسخ و لذا ذكرنا في محله أن الآية لا تكون متكفلة للصحة بل تكون ناظرة الي لزوم العقد بعد فرض كونه صحيحا فاذا فرضنا ان زيدا باع داره و بعد البيع لم يمكنه تسليم الدار لا يكشف عن بطلان البيع لعدم وجه للبطلان بل غاية ما يترتب عليه ثبوت الخيار للمشتري لأجل الشرط الضمني الارتكازي فإن من يشتري شيئا يكون شارطا بالارتكاز علي البائع علي أنه لو لم يسلم المبيع يكون له خيار فسخ البيع و لا فرق فيما ذكر بين تلف العين و بقائها مع وجود مانع عن التسليم أو عصيان البائع في عدم التسليم و صفوة القول ان الامر بالوفاء لا يكون حكما تكليفيا و لا يكون دالا علي وجوب تسليم العين فالتقريب المذكور لا اساس له اصلا.

و لمزيد من التوضيح نقول اذا باع زيد داره من بكر و فرضنا أن الدار تلفت أو غصبها غاصب و لم يكن للبائع تسليمها من المشتري لا وجه للالتزام بالبطلان و المراد من وجوب الوفاء بالعقد عدم الفسخ و لزوم ما عقد عليه غاية الأمر يكون للمشتري خيار الفسخ فما أفيد في وجه البطلان في غاية السقوط نعم في باب البيع لو تلف المبيع قبل القبض يمكن القول بالانفساخ من باب قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه و لا يرتبط هذا بما افيد في المقام و انقدح بما ذكرنا ان الآية

الأنوار البهية

في القواعد الفقهية، ص: 154

الشريفة ناظرة الي لزوم العقد و لا يمكن ان يستفاد منها الصحة توضيح المدعي أن العقد ما لم يكن صحيحا لا يمكن أن يكون لازما و عليه نقول الحكم باللزوم في الآية أما لخصوص العقد الصحيح و امّا الأعم منه و من الفاسد و اما لخصوص الفاسد و أما للمهمل أما الاهمال فلا يعقل في الواقع لا سيما بالنسبة الي المولي الذي هو واهب العقل و أما خصوص الباطل فمن الواضح عدم امكان لزومه و كذلك الجامع بين الصحيح و الفاسد فينحصر الامر في خصوص الصحيح فما دام لم يحرز الصحة لا يمكن الحكم باللزوم لعدم جواز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل بالاستصحاب يحرز عدم الصحة فالنتيجة عدم امكان كون الآية دليلا علي الصحة.

إن قلت اذا فرض لزوم العقد يكشف عن الصحة فيمكن اثبات الصحة باللزوم للملازمة بين اللازم و الملزوم قلت هذا التقريب انما يتم في القضية الخارجية حيث يحكم المولي بلزوم ما هو واقع في الخارج و أما في القضية الحقيقية التي مرجعها الي الشرطية فلا يتم البيان إذ تقدم قريبا عدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية فلاحظ.

الوجه الثالث: ان العقلاء يرون مثل هذا العقد لغوا و باطلا و لا يرتبون اثرا عليه و إن شئت فقل ان نظام الاجتماع يدور مدار تسلّم ما يتملكون بالعقود فاذا فرض عدم امكان تسلّم ما تملكه بالعقد لا أثر لمثله.

و بعبارة واضحة ان قوله عليه السّلام لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق ناظر الي ما يكون في أيديهم و يقضون به حوائجهم و الّا فمجرد كون شي ء ملكا لأحد لا أثر له و لا فائدة فيه هذا ملخص ما

قيل و ذكر في هذا المقام.

و يرد عليه أولا أن الأحكام الشرعية لا تكون تابعة لما تقرر عند العقلاء فاذا فرضنا تمامية الدليل لصحة العقد نلتزم به و لو لم يكن مقبولا عند العقلاء و بعبارة

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 155

واضحة اللازم كون العقلاء تابعين للشرع الأقدس لا أن الشارع يكون تابعا لهم و من الظاهر أن صحة العقود لا تكون شرعا مشروطة بالشرط المذكور و مجرد اللغوية لا يوجب بطلان العقد و لذا ذكرنا مرارا ان العقد السفهائي صحيح و نلتزم به انما الاشكال في العقد الصادر عن السفيه و صفوة القول ان الدليل قائم علي صحة بيع ما باعه البائع و لو لم يكن مقدورا علي تسليمه و لذا يكون بيع العبد الآبق صحيحا و يترتب عليه ان المشتري يمكنه اعتاقه و من الظاهر أنه لا عتق الّا في ملك و مما يدل علي المدعي ان قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه و لو كان العقد باطلا يلزم ان المبيع من أول الامر لا يدخل في ملك المشتري و الحال أن الأمر ليس كذلك هذا أولا.

و ثانيا: لا نسلم البناء المذكور من العقلاء و لذا نري أنه لو باع زيد داره من بكر ثم مات البائع يطلب المشتري الدار من ورثته و الحال أن البائع العاقد لا يكون مأمورا بتسليم الدار فان الميت لا يمكن أن يتعلق به التكليف و أيضا نري أنه لو غصب مال من أحد بحيث لا يرجي رجوعه الي المالك يرون بقاء تلك العين في ملك من غصب منه و لا يرضي بتصرف ذلك الغاصب فيه و علي الجملة هذا الذي افيد في المقام

مخالف مع الأدلة الشرعية و مع بناء العقلاء و ارتكازهم فأصل المدعي ساقط من أساسه.

الجهة الثالثة: في موارد انطباق القاعدة المذكورة

و قد ذكر القائل بهذه القاعدة بعض الموارد علي ما رامه منها ما لو استأجرت مرضعة لإرضاع ولد المستأجر فمات الولد أو المرضعة أو كلاهما قبل الارضاع أو جف اللبن تبطل الاجارة.

أقول: بطلان الاجارة فيما ذكر من المثال لا يرتبط بهذه القاعدة المدعاة بل البطلان من باب ان متعلق العقد حين تحققه لم يكن له موضوع و بطلان العقد مع فرض عدم متعلقه و موضوعه واضح ظاهر و بعبارة اخري وجود متعلق العقد

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 156

ركن في تماميته بلا فرق بين العقود و الايقاعات مثلا لو باع زيد داره التي تكون له في اعتقاده في كربلاء و الحال أنه خيال و لا دار له هناك يكون العقد باطلا و أيضا لو آجر داره التي في النجف و هكذا و مسئلة الرضاع من هذا القبيل فان المرأة التي تموت بعد ساعة لا تكون قابلة لان ترضع الولد و أيضا مع عدم اللبن في ثديها و هكذا في جميع ما يكون من هذا القبيل.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 157

القاعدة الرابعة عشرة قاعدة لا حرج

اشارة

و في المقام جهات من البحث:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في بيان المراد

من العسر و الحرج.

فنقول: أما الحرج فيظهر من كلمات أهل اللغة أن معناه الضيق، فعن القاموس الحرج المكان الضيق و كذلك عن الصحاح و عن النهاية الحرج في الأصل الضيق و في المجمع مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أي من ضيق بان يكلّفكم ما لا طاقة لكم به و في المنجد الحرج المكان الضيق الكثير الاشجار و يستفاد من بعض الاخبار أنه عبارة عن الضيق لاحظ ذيل حديث مسعدة بن زياد: عبد اللّه بن جعفر الحميري عن مسعدة بن زياد قال: حدثني جعفر عن أبيه عليه السّلام عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال: مما اعطي اللّه أمتي و فضّلهم علي سائر الامم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها الّا نبيّ و ذلك ان اللّه تبارك و تعالي كان اذا بعث نبيا قال له اجتهد في دينك و لا حرج عليك و ان اللّه تبارك و تعالي أعطي ذلك أمّتي حيث يقول وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ يقول من ضيق … الحديث «1».

و أما العسر فعن النهاية أنه خلاف اليسر و هو الضيق و كذلك عن القاموس و في المنجد العسر الشدة و الضيق و أما الأصر فعن القاموس الأصر الثقل و عن النهاية

______________________________

(1) البرهان: ج 3 ص 105 الحديث 6.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 158

أنه الضيق و عن الصحاح أنه الثقل فالجامع بين الكل الضيق و الثقل و الظاهر أنه بحسب المتفاهم العرفي ما لا يتحمل عادة فان كان طبع التكليف الشرعي المتوجه الي العباد أمرا غير قابل للتحمل كالجهاد و نحوه و لا يرتفع بهذه القاعدة كما هو ظاهر.

نعم

لا يبعد ان يقال بأنه في تلك الموارد اذا كان الحرج أشد من المقدار المتعارف يرتفع الحكم الشرعي فتأمّل كما أنه لو علم من الشارع عدم رضائه بوقوع أمر كاللواط مثلا نلتزم بحرمته و إن كان في الامساك عنه حرج شديد.

الجهة الثانية: فيما يمكن ان يستدل به أو استدل للمدعي

: منها قوله تعالي:

يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «1» و تقريب الاستدلال بالآية الشريفة ان قوله تعالي: يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ بعد قوله وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَليٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ بمنزلة العلّة و الكبري الكلية كما في قوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر فيستفاد من الآية الشريفة أنه لم يجعل في الشريعة المقدسة امرا عسرا و يمكن الاستدلال بالآية علي المدعي بتقريب آخر و هو ان المراد بالارادة في الآية الشريفة الارادة التشريعية فالمراد من قوله تعالي: لٰا يُرِيدُ عدم الارادة تشريعا هذا من ناحية و من ناحية اخري حذف المتعلق يفيد العموم فالنتيجة أنه يستفاد من الآية ان اللّه لا يريد في وعاء التشريع العسر فلا يريد التكليف الذي يكون عسرا.

و منها: الآية الاخيرة لسورة البقرة لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهٰا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ

______________________________

(1) البقرة: 185.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 159

وَ اعْفُ عَنّٰا وَ اغْفِرْ لَنٰا وَ ارْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلٰانٰا فَانْصُرْنٰا عَلَي الْقَوْمِ الْكٰافِرِينَ «1» و محل الشاهد فيها عدة موارد:

الأول: قوله تعالي: لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا فان المراد من الآية أنه لا يكلف

تكليفا عسرا لا أنه لا يكلف غير المقدور عقلا فانه أمر غير ممكن و لا يقع علي أحد من الامة و لا مجال للمنّة كما هو المستفاد من الآية و السياق، الثاني قوله تعالي: وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً و الاصر هو الثقل و الظاهر من الآية أنه تعالي استجاب دعوة نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و بعبارة واضحة يفهم الانسان من سياق الآية و ايراد المطلب في القرآن الكريم ان اللّه تبارك و تعالي في مقام بيان لطفه بالنسبة الي رسول الإسلام و استجابة دعوته، الثالث قوله تعالي: وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ و الظاهر أن المراد بما لا طاقة به الامر العسر و السياق يقتضي الاستجابة مضافا الي ما ورد في رواية علي بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن هذه الآية مشافهة اللّه تعالي لنبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليلة اسري به الي السماء قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: لما انتهيت الي محل سدرة المنتهي فاذا الورقة منها تظل أمّة من الامم فكنت من ربّي قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنيٰ كما حكي اللّه عزّ و جلّ فناداني ربّي تعالي آمَنَ الرَّسُولُ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ فقلت: انا مجيبا عنّي و عن أمّتي وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ مَلٰائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لٰا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قٰالُوا سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا غُفْرٰانَكَ رَبَّنٰا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ فقال اللّه لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهٰا مَا اكْتَسَبَتْ فقلت رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا و قال اللّه لا أؤاخذك

فقلت رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا فقال اللّه لا احملك فقلت: رَبَّنٰا وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ

______________________________

(1) البقرة: 286.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 160

لَنٰا بِهِ وَ اعْفُ عَنّٰا وَ اغْفِرْ لَنٰا وَ ارْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلٰانٰا فَانْصُرْنٰا عَلَي الْقَوْمِ الْكٰافِرِينَ فقال اللّه تعالي قد اعطيتك ذلك لك و لأمّتك فقال الصادق عليه السّلام ما وفد الي اللّه تعالي أحد اكرم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حيث سأل لأمته هذه الخصال «1».

و منها قوله تعالي: مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «2» و تقريب الاستدلال بالآية ان اللّه لا يريد جعل الامر الحرجي في الدين فيستفاد منها الميزان الكلي.

و في المقام مناقشة و هي ان المستفاد من الآية ان اللّه تعالي لم يرد بهذا الأمر المذكور في الآية ايقاع الحرج لكن حيث ان المذكور فيها ذو ملاك و مصلحة أمر به و جعله علي المكلفين و بعبارة اخري المستفاد من الآية ان اللّه لا يكلف بتكاليف حرجية خالية عن الملاك و الفائدة و بهذا البيان لا يمكن الوصول الي المقصود و ليس للاستدلال علي المدعي سبيل.

و لكن بعد المراجعة الأخيرة اختلج بالبال أن يقال يمكن أن يكون المراد من الآية الشريفة بيان ان اللّه لا يريد بالتكاليف التي يكلفكم بها ايقاع الحرج عليكم و لذا عند الضرورة و المحذور عن استعمال الماء تصل النوبة الي الطهارة الترابية بل يريد ان يطهركم و يزيل عنكم الخباثة المعنوية كي يناسب قيامكم للصلاة التي تكون مشروطة بالطهارة و عليه لا يمكن الاستدلال بهذه الآية علي المدعي لكن يكفي للاستدلال عليه بقية الوجوه و منها قوله

تعالي في سورة الحج وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3» و تقريب الاستدلال بما ان المستفاد منها كبري

______________________________

(1) البرهان: ج 1 ص 266 الحديث 2.

(2) المائدة: 6.

(3) الحج: 78.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 161

كلية و هي ان اللّه تعالي لم يجعل في الدين امرا حرجيا و يؤيد المدعي بل يدل عليه ما ورد في تفسير الآية و هو ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري عن مسعدة بن زياد «1».

و أما الروايات التي يمكن أن يستدل بها فمنها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه قال: و قال ان كانت يده قذرة فأهرقه و إن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال اللّه تعالي: وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» و تقريب الاستدلال به علي المدعي ظاهر.

و منها ما رواه أبو بصير أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون الي جانب القرية فتكون فيه العذرة و يبول فيه الصبي و تبول فيه الدابة و تروث فقال ان عرض في قلبك منه شي ء فقل هكذا يعني. أفرج الماء بيدك ثم توضّأ فان الدين ليس بمضيق فان اللّه يقول مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3».

و يمكن الاستدلال أولا بقوله عليه السّلام فان الدين ليس بمضيق و ثانيا باستشهاده عليه السّلام بقوله تعالي فلاحظ.

و منها ما رواه فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في الرجل لجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء فقال: لا بأس مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ

مِنْ حَرَجٍ «4».

______________________________

(1) لاحظ ص 157.

(2) الوسائل: الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 11.

(3) الوسائل: الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 14.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 162

و منها ما رواه فضيل قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالي: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1».

و منها ما رواه محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الجنب ينتهي الي الماء القليل في الطريق و يريد ان يغتسل منه و ليس معه إناء يغرف به و يداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال اللّه عزّ و جلّ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» و تقريب الاستدلال ظاهر.

و منها ما رواه عبد الاعلي مولي آل سام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت علي اصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء قال: يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه عزّ و جلّ قال اللّه تعالي مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه «3» و لكن عبد الاعلي لم يوثق بل مدح.

و منها ما رواه زرارة أنه قال لأبي جعفر عليه السّلام: ألا تخبرني من أين علمت و قلت ان المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين و ذكر الحديث الي ان قال أبو جعفر عليه السّلام ثم فصّل بين الكلام فقال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فعرفنا حين قال بِرُؤُسِكُمْ ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء الي ان قال فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ فلمّا ان وضع الوضوء

عمن لم يجد الماء اثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال «بِوُجُوهِكُمْ» ثم وصل بها «وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» أي من ذلك التيمم لأنه علم ان ذلك اجمع لم يجر علي الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها ثم قال مٰا جَعَلَ

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 5.

(3) الوسائل: الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 5.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 163

عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و الحرج الضيق «1».

و منها ما رواه حمزة بن الطيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي اكتب فأملي عليّ انّ من قولنا ان اللّه يحتج علي العباد بما أتاهم و عرّفهم ثم أرسل اليهم رسولا و أنزل عليهم الكتاب فأمر فيه و نهي، أمر فيه بالصلاة و الصيام فنام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن الصلاة فقال انا انيمك و انا اوقظك فاذا قمت فصلّ ليعلموا اذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون اذا نام عنها هلك و كذلك الصيام أنا أمرضك و أنا أصحك فاذا شفيتك فاقضه ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام و كذلك اذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد احدا في ضيق و لم تجد أحدا الّا و للّه عليه الحجة و للّه فيه المشيئة و لا أقول انهم ما شاءوا صنعوا ثم قال ان اللّه يهدي و يضلّ و قال و ما امروا الّا بدون سعتهم و كل شي ء أمر الناس به فهم يسعون له و كل شي ء لا يسعون له فهو موضوع عنهم و لكن الناس لا خير فيهم ثم تلا عليه السّلام لَيْسَ

عَلَي الضُّعَفٰاءِ وَ لٰا عَلَي الْمَرْضيٰ وَ لٰا عَلَي الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ … فوضع عنهم مٰا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ لٰا عَلَي الَّذِينَ إِذٰا مٰا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ … قال فوضع عنهم لأنهم لا يجدون «2» هذه هي جملة من الروايات التي يمكن أن يستدل بها علي المدعي و يؤيدها ما اشتهر في ألسنة العلماء و الفضلاء و الطلاب ان الشريعة الاسلامية سهلة سمحة كما روي عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: بعثت بالحنيفية السمحة السهلة «3» و ما رواه زياد ابن سوقة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا بأس أن يصلي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 1.

(2) الكافي: ج 1 ص 164 الحديث 4.

(3) مجمع البحرين مادة حنف.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 164

أحدكم في الثوب الواحد و ازراره محللة ان دين محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حنيف «1».

و اما الاجماع فعلي فرض تحققه فامّا مقطوع المدرك و امّا محتمله و علي كلا التقديرين لا يفيد كما هو ظاهر.

و أما العقل فليس له سبيل الي هذا الموضوع و انّما العقل يدرك امتناع تعلق التكليف بغير المقدور لكونه لغوا و عبثا و الحكيم لا عبث في تكاليفه كما هو اظهر من الشمس.

فالنتيجة أنه لا شبهة من حيث الدليل تمامية القاعدة و ان الحرج مرفوع في الشريعة المقدسة ان قلت اذا كان الامر كذلك فكيف نري جعل بعض الاحكام و الحال أنه حرجي كالجهاد و امثاله قلت القاعدة لا تكون عقلية كي لا يمكن تخصيصها بل قاعدة شرعية و التخصيص في الحكم الشرعي لا يكون عزيزا.

و صفوة القول انّ الحكم اذا

كان حرجيا في نفسه و طبعه أي يكون حرجيا بالنسبة الي كل احد يكون دليله مخصصا للقاعدة و أمّا اذا كان حرجيا بالنسبة الي بعض دون الاخر يكون مرتفعا عن مورد الحرج الا أن يعلم أنه اريد العموم و لا تبعيض فيه فايضا يكون الدليل مخصصا للقاعدة.

الجهة الثالثة: في أنّ المستفاد من دليل القاعدة انّ المرفوع الحرج أو المرفوع الحكم الذي يوجب الحرج

و الأول موافق لمرام صاحب الكفاية و الثاني لمرام الشيخ قدّس سرّه و الفرق و اختلاف الأثر ظاهر بين المسلكين فان قلنا بان المرفوع الحكم الناشي منه الحرج نلتزم بعدم وجوب الاحتياط فيما يكون الجمع بين الاطراف حرجيا و نقول بارتفاع الوجوب المتعلق بالواجب الموجود بين الاطراف و أمّا ان قلنا بان المرفوع الفعل الحرجي الثقيل فلا وجه لارتفاع الوجوب في موارد العلم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 165

الإجمالي اذا لم يتعلق الوجوب بالامر الحرجي و الظاهر من الدليل ما ذهب اليه صاحب الكفاية اذ العناوين عناوين للأمور الخارجية فان العمل الكذائي حرج مثلا لو كان الصعود الي الجبل امرا صعبا و حرجيا يصدق ان الوجوب مرفوع عنه و الحاصل ان الحرج و ما يرادفه مما وقع في الادلة عبارة عن الافعال الخارجية و ما جعلت في الدين فان جعلها في الدين عبارة عن توجيه التكليف نحوها و عدم جعلها في الدين عبارة عن عدم توجيه التكليف نحوها و يترتب علي هذا أثر ظاهر مهم فلا تغفل و لقائل ان يقول أنه لا شبهة في أنّه لو كان لعمل مقدمات صعبة و لكن نفس العمل لا يكون كذلك مثلا قراءة سورة قصيرة في فصل الشتاء ليست امرا حرجيا ذا مشقة و لكن اذا أمر المولي بها بان يؤتي بها

علي رأس جبل شاهق صعب الصعود يكون هذا التكليف حرجيا و عسرا و الحال ان نفس الفعل لا عسر فيه و هل يمكن ان يقال ان هذا التكليف ليس عسرا و هل يمكن ان يدعي المولي اني لا اريد بالمكلف العسر و اريد به اليسر و صفوة القول ان التكليف لو استلزم الحرج علي المكلف و لو من ناحية مقدمات العمل يصح ان يقال ان التكليف حرجي فلاحظ.

و يختلج بالبال أن يقال أنه يمكن اثبات عدم وجوب الاحتياط بتقريب آخر و هو أنه لو استلزم الاحتياط الحرج نسأل ان الاحتياط المذكور في وعاء الشرع واجب أم لا؟ ان قلت انه واجب قلت وجوبه يناقض نفي الحكم الحرجي اذ الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية و ان قلت لا يكون واجبا قلت هو المطلوب و إن قلت نشك في وجوبه و عدمه قلت مقتضي البراءة عدم وجوبه و هذا التقريب يفيدنا في القول بعدم وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي مضافا الي ما بنينا عليه في ذلك البحث من جواز جريان الأصل في بعض الاطراف و لا يخفي ان التقريب الثاني الذي ذكرناه في المقام يغاير التقريب الأول في الأثر فان التقريب

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 166

الأول يقتضي ارتفاع الحكم من اصله و أما التقريب الثاني فانما يقتضي ترك الاحتياط فقط ارتفاع الحكم في الواقع.

و إن شئت فقل التقريب الأول يقتضي الارتفاع الواقعي و التقريب الثاني يقتضي الارتفاع الظاهري فيما لا يكون الاحتياط حرجيا.

اللهم الّا أن يقال انه قد ثبت في الأصول عدم وجوب مقدمة الواجب شرعا و انما يكون وجوبها عقليا فلا تنافي بين عدم وجوب الاحتياط شرعا و بين وجوبها عقلا فلا يتم التقريب

المذكور لارتفاع الحكم في مقام الظاهر نعم مقتضي مقالة الشيخ قدّس سرّه انّ الحكم الواقعي في موارد كون الاحتياط حرجيا يرتفع بدليل رفع العسر و الحرج.

الجهة الرابعة: في أن أدلة الحرج هل تكون حاكمة علي أدلة الأحكام أم لا؟

الظاهر أنها حاكمة فانه لم يعتبر في الحكومة بلفظ أي أو أعني بل معني الحكومة أن يكون أحد الدليلين ناظرا الي دليل الآخر و يكون متصرفا في مدلوله و المقام كذلك إذ لو لم يكن حكم مجعول في الدين لم يكن قوله مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ صحيحا فإنه لا موضوع لهذا البيان فمعني هذه الجملة ان المجعولات الدينيّة لا يكون فيها أمر حرجي و يؤيد المدعي بل يدل عليه ما وقع في جملة من الروايات من التطبيق أي تطبيق القاعدة علي الموارد كما تقدمت و مرت عليك.

الجهة الخامسة: ان الميزان في القاعدة بالحرج الشخصي

كما هو الميزان في جميع القضايا الحقيقية و كون الميزان بالنوعي امرا علي خلاف الظاهر و يحتاج الي دليل خاص و قرينة.

غاية الأمر يتوجه الاشكال و هو أن المستفاد من الروايات الواردة في المقام ان الميزان بالحرج النوعي فان الاجتناب عن الغدير الذي يلاقيه النجاسة ليس حرجيا لكل أحد بل الحرج فيه نوعي.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 167

لكن يمكن الجواب بان المستفاد من تلك الروايات أيضا الحرج الشخصي لكن قد علم من الخارج ان الكر لا ينجس بالملاقات.

و ببيان أوضح ان المستفاد من الدليل ان الميزان الحرج الشخصي لكن في بعض الموارد. قد علم من الدليل رفع الحكم حتي في مورد عدم الحرج بالنسبة الي بعض و لك ان تقول أنّ المستفاد من بعض ادلة القاعدة ان رفع الحكم يدور مدار الحرج الشخصي غاية الأمر انّ الحكم مرفوع في بعض الموارد حتي مع عدم الحرج الشخصي و هذا تخصيص في عمومية العلة و ان شئت فقل المستفاد من مجموع الادلة ان الميزان في جريان القاعدة الحرج الشخصي و عدم جريانه في النوعي و هذه

القضية الثانية خصصت في بعض الأحكام كالقصر في السفر و من الظاهر ان التخصيص في الضوابط الشرعية أمر رائج فلاحظ.

الجهة السادسة: أنه لا فرق بين العدميات و الوجوديات

فان الحرج يوجب رفع الحكم أعم من أن يكون متعلقا بالوجود كالوجوب أو بالعدم كالحرمة فلو كان الامساك عن الحرام حرجا يرتفع حرمته و بعبارة واضحة لا فرق من هذه الجهة بين الايجاب و التحريم لا طلاق الدليل بل يمكن ان يقال مقتضي اطلاق دليل القاعدة رفع الحكم غير الالزامي و لا نري مانعا في هذه العجالة عن الالتزام به و بعبارة اوضح انه اذا كان فعل حرجيا لا يتعلق به الأمر الاستحبابي إذ ليس في الدين الحرج و قس عليه النهي عن امر يكون تركه حرجيا.

الجهة السابعة: أنه لا فرق بين الحكم التكليفي و الوضعي

فلو كان جعل أمر وضعي حرجيا يرتفع بدليل رفع الحرج و عليه لو كانت العلقة الزوجية حرجية علي أحد طرفي العقد يلزم رفعها بدليل رفع الحرج و لا يخفي انه ينكشف ان الزوجية انما امضيت من قبل الشارع من زمان العقد الي زمان تحقق الحرج و الحال ان العقود تابعة للقصود فكيف يمكن التبعيض و يؤيد رفع الحرج الحكم الوضعي ما افتي به

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 168

السيد اليزدي في ملحقات عروته «1» في مسألة المفقود مع عدم صبر زوجته قال:

يمكن ان يقال بجوازه (الطلاق) بقاعدة نفي الحرج و الضرر.

الجهة الثامنة: أن حكومة لا حرج علي أدلة الأحكام حكومة واقعية

و لازمها ارتفاع الحكم واقعا و عليه يقع الاشكال في جواز الوضوء الحرجي و قد يقال في رفع الاشكال بان مقتضي الامتنان رفع الالزام لا رفع الملاك و يجاب بانه بعد رفع الالزام لا دليل علي الملاك و يجاب بان الدلالة الالتزامية ليست تابعة للمطابقية في الحجية و يجاب ببطلان هذا الكلام فان الالتزام تابع للمطابقية في جميع المراتب.

و لكن مع ذلك يمكن تقريب صحة الوضوء بوجه آخر و هو ان الامتنان يقتضي وجود الملاك و الّا فمع عدم الملاك للوضوء لا معني للمنة في رفع الالزام عنه فلازم الامتنان وجود الملاك و هو يكفي في صحة الوضوء.

و يمكن التقريب بوجه ثالث و هو أن دليل لا حرج لا يرفع الاستحباب و الأمر المتوجه الي الوضوء نفسا هو الاستحباب و هو باق مع الحرج فالوضوء صحيح لكن يشكل التقريب المذكور بما تقدم منا من ان دليل لا حرج يشمل الحكم غير الالزامي فلا يبقي موضوع لهذا التقريب و في المقام اشكال و هو انّ المستفاد من الآية تقسيم المكلف الي الواجد و الفاقد و

التقسيم قاطع للشركة.

و الجواب انّ المكلف مع الحرج واجد للماء لكن لو توضأ يكون وضوئه صحيحا و مع صحة وضوئه لا يصدق انه محدث فلا سبيل الي ان يتعلق به الأمر بالتيمم فلاحظ و إن شئت قلت ان القضية حقيقية و الشارع قسم المكلف الي قسمين و وجه الامر بالوضوء الي قسم منهما و وجه الامر بالتيمم الي قسم آخر غاية الامر بعض الاقسام من الواجد لو توضأ يكون وضوئه صحيحا و ينقلب

______________________________

(1) ملحقات العروة: ج 1 ص 75 مسألة 33.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 169

موضوع المحدث الي المتطهر و بعبارة واضحة ان الحرج أوجب سقوط الالزام بالوضوء و وصلت النوبة الي التيمم لكن حيث ان الملاك موجود في الوضوء فاذا توضأ يكون وضوئه صحيحا فلا يبقي مجال للتيمم و صفوة القول ان الوضوء ان كان حرجيا لا يكون واجبا و لا تنافي بين الصحة و عدم الوجوب و ببيان أوضح أن المكلف في صورة الحرج يكون واجدا للماء لكن مع ذلك لا يكون الوضوء واجبا عليه لطفا من المولي و الظاهر أنه يتم الأمر لا يبقي اشكال و اللّه العالم و مما يدل علي جواز التيمم مع وجدان الماء جواز التيمم لمن آوي الي فراشه فذكر انه غير متوض فانه يجوز له ان يتمم و علي الجملة ان الامتنان يتوقف علي وجود الملاك فاذا فرضنا ان القاعدة امتنانية يلزم الالتزام بوجود الملاك و مع وجود الملاك يصح الوضوء.

الجهة التاسعة: في تعارض الضرر و الحرج

كما لو كان التصرف في الملك الشخصي يضر بالغير و الامساك عن التصرف يكون حرجا الذي يختلج بالبال ان يقال مقتضي اطلاق دليل القاعدة جريانها في هذه الموارد.

إن قلت مفاد القاعدة حكم امتناني و جريانها

في هذه الموارد خلاف الامتنان بالنسبة الي الطرف المقابل قلت يكفي للامتنان كون رفع الحرمة الحرجية عن هذا الطرف و لا يلزم ان يكون امتنانيا بالنسبة الي جميع الاطراف و لكن الانصاف ان الالتزام بالجواز فيما يستلزم التصرف في مال الغير أو عرضه أو بدنه مشكل و اللّه الهادي الي سواء السبيل.

إن قلت أيّ دليل دل علي كون القاعدة امتنانية قلت المستفاد من الآية الشريفة يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «1» ان المقتضي للإرادة موجود

______________________________

(1) البقرة: 158.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 170

غاية الأمر الشارع الأقدس منّ علي عباده و لم يرد العسر بل اراد اليسر.

الجهة العاشرة: ان القاعدة هل تكون من المسائل الفقهية أو تكون من المسائل الأصولية

الحق أنها من المسائل الفقهية إذ المسألة الاصولية لا تتعرض لحكم افعال المكلف بل لها دخل في استنباط الحكم الشرعي و أما المسألة الفقهية فمتعرضة لحكم فعل المكلف و من الظاهر ان المستفاد من القاعدة بيان ما يتعلق بافعال العباد.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 171

القاعدة الخامسة عشرة قاعدة رفع القلم عن غير البالغ

اشارة

من الأمور التي وقع البحث عنها ان الحكم الوضعي كالحكم التكليفي مرفوع عن غير البالغ أو ان الرفع مخصوص بالحكم التكليفي و يقع البحث في المقام من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: أن مقتضي الأدلة العامة الواردة في الأحكام الوضعية شمولها لغير البالغ

و لا بد في الخروج عنها من مخصص و لولاه لم يكن فرق بين البالغ و غيره و الظاهر انه لا مجال لإنكار هذا المعني فان أدلة الأحكام الوضعية باطلاقها أو عمومها تشمل جميع الناس بل شمول أدلة الوضعيات لغير البالغ أوضح من شمول أدلة التكاليف فإن دليل الحكم التكليفي لا يشمل من لا عقل له كما انه لا يشمل الغافل و بعبارة واضحة لا يشمل من لا يكون قابلا لتوجيه الخطاب اليه و البعث و أما الحكم الوضعي فلا يكون مرهونا بما ذكر.

الجهة الثانية: فيما يمكن ان يستدل به علي عدم شمول الدليل لغير البالغ

و عمدة ما يكون قابلا للاستدلال به علي المدعي ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة فقال اذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم و الجارية مثل ذلك ان أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 172

وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم «1» فإن المستفاد من الحديث عدم جريان القلم علي الصبي قبل الاحتلام و مقتضي إطلاق عدم الجريان التسوية بين قلم التكليف و الوضع و تخصيص الحديث و عدم الجريان بالتكليف فقط يحتاج الي الدليل.

الجهة الثالثة: فيما يمكن أن يكون مخصصا و مانعا عن شمول الدليل للحكم الوضعي

و ما يمكن ان يكون مخصصا للإطلاق و مقيدا أمور: منها الاجماع علي أن اتلاف الصبي مال الغير يوجب الضمان و فيه انه قد ثبت في محله عدم اعتبار الإجماع المنقول.

و منها السيرة الجارية علي تضمين غير البالغ اذا اتلف مال الغير و فيه انا لا نجزم بكون هذه السيرة ممضاة من قبل الشارع و أما سيرة العقلاء علي فرض تحققها فمردوعة بالحديث.

و منها الروايات الدالة علي الضمان و فيه ان العمومات تخصص بالحديث المشار اليه.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 12.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 173

القاعدة السادسة عشرة قاعدة امارية السوق علي كون اللحوم الموجودة فيه مذكاة

اشارة

من القواعد التي وقعت محل البحث عند الأعلام قاعدة امارية سوق المسلمين علي تذكية الحيوان و يقع البحث في المقام من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في دليل القاعدة

. و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجهين:

الوجه الأول: السيرة الجارية بين أهل الشرع و الظاهر أنه لا يمكن النقاش في السيرة.

الوجه الثاني: جملة من النصوص: منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال اشتر وصل فيها حتي تعلم انه ميت بعينه «1» و منها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرا لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها فقال نعم ليس عليكم المسألة ان ابا جعفر عليه السّلام كان يقول ان الخوارج ضيّقوا علي انفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك «2» و منها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أ ذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري

______________________________

(1) الوسائل: الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 174

أ يصلي فيه قال: نعم انا اشتري الخف من السوق و يصنع لي و اصلي فيه و ليس عليكم المسألة «1» و منها ما رواه الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام اعترض السوق فأشتري خفّا لا أدري أ ذكي هو أم لا قال: صلّ فيه قلت فالنعل قال مثل ذلك قلت اني أضيق من هذا قال أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السّلام يفعله «2» و منها ما

رواه عبد اللّه بن سليمان قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجبن فقال لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم أعطي الغلام درهما فقال: يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعا بالغداء فتغدينا معه فأتي بالجبن فأكل و اكلنا فلمّا فرغنا من الغداء قلت ما تقول في الجبن قال أولم ترني آكله قلت بلي و لكني أحب أن أسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن و غيره كل ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام بعينه فتدعه «3» و منها ما رواه أبو الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجبن فقلت له اخبرني من رأي أنه يجعل فيه الميتة فقال أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين اذا علمت أنه ميتة فلا تأكله و ان لم تعلم فاشتر و بع و كل و اللّه أني لأعترض السوق فاشتري بها اللحم و السمن و الجبن و اللّه ما أظن كلهم يسمّون هذه البربر و هذه السودان «4» و يستفاد من حديث اسماعيل بن عيسي قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أسأل عن ذكاته اذا كان البائع مسلما غير عارف قال عليكم انتم ان تسألوا عنه اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و اذا رأيتم يصلون فيه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6.

(2) الوسائل: الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 9.

(3) الوسائل: الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 1.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 175

فلا تسألوا عنه «1» اشتراط الجواز بصلاة المسلم في الجلد المأخوذ من السوق و الحديث لا يعتد به فان اسماعيل لم

يوثق.

و يستفاد من حديث محمد بن الحسين الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا الي أبي جعفر الثاني عليه السّلام ما تقول في الفرو يشتري من السوق فقال اذا كان مضمونا فلا بأس «2» اشتراط الجواز بالضمان و الحديث مخدوش سندا فالنتيجة ان الدليل علي الجواز و كون المأخوذ من السوق محكوم بالتذكية تام و لا يكون في قباله ما يعارضه أو يقيده بقيد.

الجهة الثانية: أنه هل المراد بالسوق مطلق السوق بلا فرق بين كونه للمسلمين أو للكفار؟

الظاهر لزوم كونه للمسلمين لاحظ ما رواه فضيل و زرارة و محمد بن مسلم أنهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الاسواق و لا يدري ما صنع القصابون فقال كل اذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه «3» فان الحديث يدل بوضوح علي اعتبار كون السوق للمسلمين مضافا الي أنه ربما يختلج بالبال انصراف السوق الوارد في النصوص الي سوق المسلمين و اما اشتراط كونه للعارفين فلا دليل عليه و ببيان واضح أن مقتضي الاطلاق كفاية السوق بلا فرق بين انتسابه الي العارفين أو غيره و انما نلتزم بخروج سوق الكفار لأجل الحديث المتقدم ذكره آنفا.

الجهة الثالثة: أنه لا خصوصية للسوق

بما هو بل الميزان انتساب محل البيع و الشراء الي المسلمين فلا فرق بين السوق و الشارع و الزقاق الي غيرها و الوجه فيه ان العرف يفهم من النصوص محل المعاملة بلا خصوصية لعنوان السوق و ان شئت

______________________________

(1) الوسائل: الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 7.

(2) نفس المصدر، الحديث 10.

(3) الوسائل: الباب 29 من أبواب الذبائح.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 176

فقل ان هذا اللفظ اشارة الي مطلق محل المعاملة و العرف ببابك.

الجهة الرابعة: أنه هل السوق بنفسه امارة علي التذكية أو أنه أمارة علي كون البائع مسلما؟

و بعبارة اخري هل يكون السوق أمارة علي الأمارة أو يكون أمارة مستقلة في قبال كون يد المسلم امارة و لهذا البحث أثر عملي اذ لو قلنا بكونه امارة علي الامارة لو علم اجمالا بعدم اسلام بعض أهل السوق و كان محل الابتلاء لا يجوز ترتيب اثر المذكي علي المأخوذ من السوق الا أن يقال لا مانع عن جريان حجية السوق بالنسبة الي بعض الافراد مع البناء علي ترك الطرف الاخر كما بنينا عليه و قلنا انّه يجوز جريان الاصل في بعض أطراف العلم الإجمالي و اما اذا قلنا بكونه أمارة مستقلة فلا يكون العلم الإجمالي مضرا بل مقتضي الإطلاق و الصناعة جواز ترتيب الأثر علي ما يؤخذ من السوق حتي مع العلم بكون البائع كافرا مع احتمال كون المأخوذ منه مذكي.

و الأنصاف أن المستفاد من الدليل كون السوق بنفسه امارة و لا نضايق عن الالتزام بلازمه بعد وفاء الدليل به.

الجهة الخامسة: ان السوق و اعتباره من حيث كونه أمارة

في قبال بقية الأمارات أو يكون اصلا من الاصول.

الانصاف أنه لا يمكن الجزم باحد الطرفين و المقدار المستفاد من النصوص ان المأخوذ من السوق محكوم بالتذكية و يمكن ان يقال أن الموضوع المأخوذ في اعتبار السوق الشك في التذكية فتكون القاعدة أصلا من الأصول.

الجهة السادسة: أنه هل يقدم علي معارضه أم لا

فنقول لا اشكال في تقدمه علي الاستصحاب إذ لو لم يقدم عليه لا يبقي له مورد و أما اذا عارضه البينة أو خبر عدل واحد أو ثقة كذلك فما هي النتيجة.

الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان نقول تقدم البينة عليه و كذلك الخبر

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 177

الواحد الذي يكون حجة اذ الموضوع في اعتبار السوق الشك في التذكية و عدمها و الحال ان البينة و كذلك الخبر الواحد كاشفان عن الواقع فلا يبقي شك كي يؤخذ بأمارية السوق.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 178

القاعدة السابعة عشرة قاعدة لا شك في النوافل

من القواعد التي وقعت مورد الكلام و تعرض لها بعض قاعدة لا شك في النافلة و يقع الكلام في المقام أولا في بيان المراد من هذه الجملة و ثانيا في دليل الحكم.

فنقول لا يبعد أن يكون المراد من الجملة ان حكم الشك في الشك في النافلة انّه لا يترتب عليه فإن الشك في الركعات له حكم خاص و ذلك الحكم لا يترتب علي الشك في النافلة و أما دليل المدعي فما ذكر في المقام و جهان:

الوجه الأول: جملة من النصوص منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن السهو في النافلة فقال ليس عليك شي ء «1» و الظاهر من هذه الرواية أمّا أنه لا يترتب علي السهو في النافلة وجوب سجدتي السهو نظير ما ورد في عدة من النصوص بانه لا سهو في سهو.

و منها ما رواه حفص بن البختري عن عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: ليس علي السهو سهو و لا علي الاعادة إعادة «2» و منها ما رواه يونس عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في حديث

قال لا سهو في سهو «3» و منها ما رواه ابراهيم بن هاشم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 18 من أبواب الخلل الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 25 من أبواب الخلل الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 179

في نوادره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لا سهو في سهو «1» أو المراد ان حكم السهو المترتب علي السهو في الفريضة لا يترتب علي السهو في النافلة فلو زاد ركنا في النافلة سهوا لا يكون موجبا لبطلانها و عليه لا يرتبط بالمقام أصلا.

و منها ما ارسله الكليني رحمه اللّه: انه اذا سها في النافلة بني علي الاقلّ «2» و المستفاد من الحديث انه لو شك في النافلة بني علي الاقل و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يشك في الفجر قال يعيد قلت و المغرب قال: نعم و الوتر و الجمعة من غير أن أسأله «3» و المستفاد من الحديث ان الشك في الوتر يوجب بطلانه.

و منها ما رواه عبيد اللّه الحلبي قال: سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتي قام فركع في الثالثة فقال يدع ركعة و يجلس و يتشهّد و يسلّم ثم يستأنف الصلاة بعد «4» و المستفاد من الحديث ان النافلة لا تبطل بزيادة الركن و لا يرتبط بالمقام.

فالنتيجة أنّ النصوص المشار إليها لا تفي بإثبات المدعي.

الوجه الثاني: الاجماع قال سيد المستمسك في ذيل كلام صاحب العروة السابع الشك في ركعات النافلة سواء كانت ركعة كصلاة الوتر أو ركعتين كسائر النوافل أو رباعية كصلاة الأعرابي فيتخير عند الشك بين البناء علي الاقل أو الأكثر

اتفاقا كما عن صريح المعتبر و التذكرة و ظاهر غيرهما و عن ظاهر الامالي أنه من دين الامامية الخ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3.

(2) الوسائل: الباب 18 من أبواب الخلل الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

(4) نفس المصدر الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 180

و قال في الحدائق الظاهر أنه لا خلاف بين الاصحاب في التخيير في النافلة بين البناء علي الاكثر و الاقل لو عرض له الشك فيها مع أفضلية البناء علي الأقل و نقل عن المدارك انه قال لا ريب في أفضلية البناء علي الأقل لأنه المتيقن و قال المحقق الهمداني رحمه اللّه انه نقل الاجماع مستفيضا ان لم يكن متواترا علي جواز البناء علي الاقل بل يكون افضل و قال في المستند في جملة كلام له و أما الثانيان فوجوب البناء علي الأكثر في الشك في الركعات و صلاة الاحتياط فلا يثبتان في النافلة الي أن قال و بالإجماع المذكور يخرج في الحكمين عن الاصل المتقدم «1».

اضف الي ذلك ان المسألة مورد الابتلاء فكيف يمكن أن يبقي حكمها مستورا فما يكون مورد الاجماع و التسالم من عدم ايجاب الشك، البطلان تاما و لا يكون قابلا للخدش و إن شئت فقل ليس الاجماع المدعي في المقام كبقية الاجماعات التي تكون قابلة للنقاش فيها و اللّه العالم.

______________________________

(1) المستند للنراقي: ج 7 ص 228 و 229.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 181

القاعدة الثامنة عشرة قاعدة اعتبار الظن في الركعات

من القواعد التي وقعت مورد البحث قاعدة ان الظن في الركعات بحكم العلم و الكلام في هذه القاعدة يقع تارة بالنسبة الي الركعتين الاخيرتين و اخري بالنسبة الي الاوليين فهنا فرعان:

أما الفرع الأول فالظاهر عدم الخلاف فيه الا من ابن ادريس علي ما

نقل عنه و العمدة النصوص الواردة في المقام منها ما رواه صفوان عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

ان كنت لا تدري كم صليت و لم يقع وهمك علي شي ء فاعد الصلاة «1» و هذه الرواية من حيث الدلالة علي المدعي لا اشكال فيها انما الاشكال في سندها فان محمد بن خالد مورد الكلام و الاشكال و لكن انا بنينا علي اعتبار توثيق المتأخرين و العلامة وثق الرجل مضافا الي توثيق الشيخ ايّاه و قال النجاشي أنه ضعيف الحديث و قال الحر قدّس سرّه و تضعيف النجاشي لحديثه بمعني انه كثيرا ما يروي عن الضعفاء فلا يلزم ضعفه و لا ضعف حديثه الذي يرويه عن الثقات.

أقول: الانصاف أنه لا مجال للنقاش في اعتبار حديثه و كلام النجاشي لا يدل علي عدم كونه ثقة مضافا الي توثيق الشيخ ايّاه فالحق ان الحديث تام سندا و لا يعارض بحديث محمد بن مسلم قال: انّما السهو بين الثلاث و الاربع و في الاثنتين

______________________________

(1) الوسائل: الباب 15 من أبواب الخلل الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 182

و في الأربع بتلك المنزلة و من سها فلم يدر ثلاثا صلي أم اربعا و اعتدل شكّه قال يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد و يسلّم و يصلي ركعتين و اربع سجدات و هو جالس فان كان أكثر وهمه الي الأربع تشهد و سلّم ثم قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثم قرأ فسجد سجدتين و تشهد و سلّم و إن كان أكثر و همه اثنتين نهض فصلي ركعتين و تشهد و سلّم «1».

فان نسبة الحديث الي الإمام عليه السّلام غير معلوم و من الممكن ان اجتهاد ابن مسلم كذلك كما أنه لا

يعارضه ما عن ابي بصير انه روي فيمن لم يدر ثلاثا صلي أم اربعا إن كان ذهب وهمك الي الرابعة فصلّ ركعتين و اربع سجدات جالسا فإن كنت صليت ثلاثا كانتا هاتان تمام صلاتك و إن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة لك «2» فان الحديث مرسل.

و منها النبوي: اذا شك احدكم في الصلاة فلينظر أحري ذلك الي الصواب فليبن عليه «3» و الحديث لا اعتبار به سندا كما هو ظاهر.

و منها النبوي أيضا: اذا شك أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب «4» و منها ما رواه عبد الرحمن بن سيّابة و أبو العباس جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا و وقع رأيك علي الثلاث فابن علي الثلاث و إن وقع رأيك علي الأربع فسلّم و انصرف و ان اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس «5» و الحديث تام سندا و دلالة علي المدعي في الجملة.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 10 من أبواب الخلل الحديث 4.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) صحيح مسلم، سنن النسائي، عن مستند النراقي ج 7 ص 181.

(4) نفس المصدر.

(5) الوسائل: الباب 7 من أبواب الخلل الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 183

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: اذا لم تدر اثنتين صليت أم اربعا و لم يذهب وهمك الي شي ء فتشهد و سلّم ثم صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بامّ الكتاب ثم تشهد و تسلّم فان كنت انما صليت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع و إن كنت صلّيت اربعا كانتا هاتان نافلة «1».

و في المقام حديث رواه أبو بصير قال: سألته عن

رجل صلّي فلم يدر أ في الثالثة هو أم في الرابعة قال: فما ذهب وهمه إليه ان رأي أنه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شي ء سلّم بينه و بين نفسه ثم صلي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب «2» و هذه الرواية تعارض حديث البقباق و حيث لا مرجح و لا يميز الأحدث يكون المرجع حديث صفوان فالنتيجة أن الظن في الركعات معتبر بلا فرق بين الركعتين الاخيرتين أو الاوليين و بلا فرق بين الصلوات الواجبة و المندوبة.

إن قلت المستفاد من حديث زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السّلام كان الذي فرض اللّه تعالي علي العباد عشر ركعات و فيهنّ القراءة و ليس فيهن وهم يعني سهوا فزاد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهنّ قراءة فمن شك في الأوليين أعاد حتي يحفظ و يكون علي يقين و من شك في الأخيرتين عمل بالوهم «3» وجوب الاعادة الّا مع الحفظ و اليقين بالاتيان بالأوليين فكيف يكفي الظن.

قلت: اليقين و الحفظ في تلك الرواية أخذا من حيث الطريقية لا من حيث كونهما صفة نفسانية و لذا يقوم مقامهما الامارات بل الأصول التنزيلية و المفروض

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11 من أبواب الخلل الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 10 من أبواب الخلل الحديث 7.

(3) الوسائل: الباب 1 من أبواب الخلل الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 184

أن الظن في باب الركعات معتبر عند الشارع و أمارة فلا اشكال هذا تمام الكلام في الفرع الأول.

و أما الفرع الثاني: فقد ظهر حكمه مما تقدم في الفرع الأول و لا وجه للإعادة و خلاصة الكلام أن مقتضي حديث صفوان اعتبار

الظن في جميع الصلوات و في جميع الركعات فلاحظ.

هذا كله في الظن في الركعات و أما الظن المتعلق بالافعال فالظاهر عدم اعتباره و لا بد من العمل علي طبق القواعد إذ الظن في حد نفسه لا يكون حجة و انما خرجنا عن الأصل الأولي و قلنا باعتباره فيما يتعلق بالركعات للنص الخاص و اما الظن المتعلق بالأفعال فلا دليل علي اعتباره فالنتيجة ان حكمه حكم الشك.

و ربما يقال بأن الظن بالأفعال معتبر كالظن بالركعات و استدل علي المدعي بالشهرة و بالنبوي اذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر احري ذلك الي الصواب فليبن عليه «1»، و انه لو كان معتبرا في الركعات يكون معتبرا في الأفعال بالاولوية.

و يرد عليه بان الشهرة لا اعتبار بها كما ان النبوي غير معتبر و اما الأولوية فهي ممنوعة فان الأمور الشرعية تعبدية و لا مجال لهذه التقريبات فيها.

بقي شي ء و هو أنه لو ظن بزيادة ركعة أو أزيد في النافلة فهل تكون النتيجة هو البطلان أم لا الحق هو الثاني اذ المستفاد من النص عدم البطلان النافلة بالزيادة السهوية لاحظ حديثي ابن مسلم «2» و الحلبي «3» فلو ظن بالزيادة فبمقتضي اعتبار الظن تتحقق الزيادة و بمقتضي الحديثين المشار اليهما يحكم عليهما بالصحة.

______________________________

(1) لاحظ ص 182.

(2) لاحظ ص 178.

(3) قد تقدم في ص 179.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 185

القاعدة التاسعة عشرة قاعدة لا شك لكثير الشك

اشارة

من القواعد التي وقعت محل كلام الأصحاب قاعدة أنه لا شك لكثير الشك و يقع الكلام حول هذه القاعدة في جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: فيما يمكن ان يستدل به عليها

و الظاهر أنه يمكن ان يستدل عليها بوجهين:

الوجه الأول: الشهرة بين الأصحاب بحيث يكون انكارها خروجا عن جادة الصواب و انحرافا عن الحق.

الوجه الثاني: جملة من النصوص.

منها ما رواه زرارة و أبو بصير قالا قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتي لا يدري كم صلّي و لا ما بقي عليه قال يعيد قلنا فانه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شك قال يمضي في شكه ثم قال لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرنّ نقض الصلاة فانه اذا فعل ذلك مرّات لم يعد اليه الشك قال زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ان يطاع فاذا عصي لم يعد الي احدكم «1» و هذه الرواية تامة سندا و اما من حيث المدلول فقد اورد فيها بان صدرها يناقض ذيلها

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16 من أبواب الخلل الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 186

اذ قد فرض السائل في الصدر كثرة الشك و مع ذلك أجاب عليه السّلام بوجوب الاعادة و الاعتناء به و في الذيل أمر بالغاء الشك الكثير فكيف يمكن الجمع بينهما و أجاب عن الأشكال المحقق النراقي قدّس سرّه في مستنده بان المراد من الصدر كثرة أطراف الشك أي لا يدري صلي ركعة أو ركعتين أو ثلاثة أو أربعة و المراد بالذيل كثرة الأفراد و الاستدلال علي المدعي بالذيل و ان أبيت عما ذكر فلا أقل من أجمال الصدر فلا مانع عن الاستدلال بالذيل علي المدعي و سيدنا الاستاد نقل

نظير البيان المذكور عن الحدائق ثم اورد عليه بان الظاهر من الكلام توصيف الشك بالكثرة و كثرة الاطراف توجب كثرة اطراف الشك لا كثرة افراده و اجاب عن الاشكال بنحو آخر و هو ان الكثرة و القلة أمران اضافيان و نسبيّان مثلا الخمسة كثيرة بالنسبة الي الواحدة و قليلة بالنسبة الي العشرين و هكذا و علي هذا الأساس نقول المراد بالكثير في الصدر الكثرة النسبية أي كثير بالنسبة الي متعارف الناس و المراد بها في الذيل الكثر الذي يكون مورد الحكم الخاص و قد عين و ميّز في النص بمن لا تمر عليه ثالث صلوات الّا و يشك فيها.

أقول: يمكن أن يقال ان الحديث المشار اليه يدل علي المدعي حتي علي القول بتناقض الصدر مع الذيل و الالتزام بإجماله.

و الوجه فيه ان التعليل الوارد في الذيل و هو قوله عليه السّلام فان الشيطان خبيث معتاد لما عوّد الي قوله فانه اذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك دليل علي المدعي إذ يفهم من العلة ان الميزان الكلي عدم الاعتناء بما يكون سببه الشيطان و العلة تعمم و تخصص.

و منها ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا يدري اركع أم لا، و يشك في السجود فلا يدري أ سجد أم لا فقال لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حي يستيقن يقينا

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 187

الحديث «1» و المستفاد من الحديث ان من يكثر شكه في الصلاة لا يعتني بشكه.

و منها ما رواه علي بن أبي حمزة عن رجل صالح عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يشك فلا

يدري واحدة صلي أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته قال: كل ذا؟ قال قلت نعم. قال: فليمض في صلاته و يتعوّذ باللّه من الشيطان فانه يوشك أن يذهب عنه «2».

الجهة الثانية: ان الوارد في جملة من النصوص لفظ السهو

، منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: اذا كثر عليك السهو فامض علي صلاتك فإنه يوشك ان يدعك انما هو من الشيطان «3» و منها ما رواه ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك «4» و منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال الرضا عليه السّلام اذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض علي صلاتك و لا تعد «5» و السهو لا يكون مرادفا للشك بل مباين معه فان الشاك ملتفت و يتردد في الأمر و اما الساهي فهو غافل قال الطريحي و في الصحاح السهو الغفلة و قد سهي عن الشي ء فهو ساه و علي هذا فبأيّ تقريب يمكن ان يقال ان المراد من السهو في هذه النصوص هو الشك أو الأعم مع ان مقتضي أصالة الحقيقة حمل اللفظ علي معناه الحقيقي و إرادة المعني المجازي من اللفظ يحتاج الي القرينة و القول بان لفظ السهو استعمل في الشك بمقدار صار حقيقة في الشك مجازفة و ادّعاء علي خلاف الواقع.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16 من أبواب الخلل الحديث 5.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) نفس المصدر الحديث 1.

(4) نفس المصدر الحديث 3.

(5) نفس المصدر الحديث 6.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 188

إن قلت ان الأصحاب فهموا من لفظ السهو في النصوص معناه المجازي أي الشك.

قلت: يرد علي هذه المقالة أولا انه ليس

الاتفاق علي ذلك بل نقل عن الشيخ و ابن زهرة و الحلبي و روض الجنان و الروضة و الذخيرة و غيرهم حمل اللفظ علي الاعم من الشك و الغفلة بل نقل عن بعض الأخباريين أنه المشهور و صاحب المستند بعد نقل الالتزام بحمل اللفظ علي المعني الأعم من الشك من جملة من الأعاظم يقول و هو الحق هذا اولا و ثانيا ان حمل الاصحاب اللفظ علي الاعم لا يقتضي القول به الا أن يرجع الأمر الي الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام و هل يمكن ادعائه قال في المستند و بالجملة لم يثبت اتفاق و لم يعلم من جهة اخري إرادة الشك من السهو في هذه الروايات أصلا لا من حيث الخصوص و لا من حيث العموم و بمجرد احتمالها و قول بعض أو طائفة لا ترفع اليد عن الحقيقة اللغوية و العرفية المعلومتين الي ان قال و دعوي ان كثرة استعمال السهو في الشك بلغت حدا لا يمكن حمله علي احدهما بدون القرينة كما في البحار مدفوعة بالمنع الخ «1».

أقول: علي فرض صحة الدعوي و وصول النوبة الي الشك لا مجال للحمل علي خصوص الشك فلا تكون النصوص دليلا علي جريان القاعدة في الشك بل لنا أن نقول لو فرض الشك في أنه هل بلغت حدا لا يمكن الحمل علي الحقيقة أم لا يكون مقتضي الاستصحاب عدم وصوله الي الحد المذكور.

إن قلت كيف يمكن حمل اللفظ علي معناه اللغوي و الحال أن مقتضاه ان كثير السهو لو سها و زاد ركنا أو لم يأت بركن لا يكون موجبا لبطلان الصلاة و مرجعه الي عدم بطلان الصلاة بالزيادة المعلومة و النقصان المعلوم و لو

كانت الزيادة أو

______________________________

(1) مستند الشيعة: ج 7 ص 191.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 189

النقيصة ركنية قلت الضرورات تقدر بقدرها أي نرفع اليد عن الدليل و النص بالنسبة الي الأركان و نعمل بما سواه و هذا ليس عزيزا فان مفاد لا تعاد كذلك أي يستفاد من حديث لا تعاد أن النقصان و الزيادة لا يوجبان البطلان في غير الأركان فالنتيجة ان الجزم بان المراد بالسهو خصوص الشك مشكل.

و في المراجعة الأخيرة اختلج ببالي ان يقال لا بد من حمل لفظ السهو علي الشك و الوجه فيه ان من النصوص المشار اليها الآمرة بالمضي في الصلاة ما عن أبي جعفر عليه السّلام «1» و الحكم رتّب علي كثرة السهو و لا يعقل انّ المكلف يتوجه الي كونه ساهيا حال السهو فلا بد من حمل لفظ السهو علي الشك الا أن يقال لا يلزم الالتفات حين السهو بل يكفي تحقق الموضوع و ترتب الحكم عليه بعد زوال السهو مثلا اذا دخل في السورة و ألتفت انه لم يقرء الحمد سهوا يمضي في صلاته و هكذا فيقع التعارض بين هذه الرواية و بين دليل لا تعاد و النسبة بين الطرفين عموم من وجه فلو سها عن الركوع و لم يركع و بعد دخوله في السجود و التفت يكون الحديثان متعارضين و حيث ان الاحدث غير معلوم اذ كلاهما مرويان عن الباقر عليه السّلام يسقطان و تصل النوبة الي القاعدة الاولية و النتيجة هو البطلان و الوجه فيما ذكرنا ان دليل عدم الاعتناء بالسهو اخذ في موضوعه كثرة السهو فلا مجال للعمل بدليل عدم الاعتناء بالسهو و أيضا لو سها عن الحمد و دخل في السورة فالتفت لا اشكال

عندهم في وجوب التدارك فالنتيجة انه لا بد أما من حمل لفظ السهو علي الشك و أما رد علم الحديث الي أهله و اللّه العالم.

و لا يخفي انه يكفي لإثبات المدعي في المقام النصوص المذكورة فيها عنوان الشك لاحظ أحاديث زرارة و أبو بصير «2» و علي بن ابي حمزة «3» و عمّار «4» و علي هذا

______________________________

(1) لاحظ ص 180.

(2) لاحظ ص 178.

(3) لاحظ ص 187.

(4) لاحظ ص 186.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 190

يمكن بحسب الصناعة الالتزام بجريان القاعدة في السهو الّا فيما قامت الضرورة علي خلافه.

إن قلت ان التعليل في الحديث انما هو من الشيطان يناسب ان يكون المراد من السهو الشك قلت ليس الامر كذلك فان السهو أيضا يمكن ان يكون من الشيطان قال اللّه سبحانه وَ إِذٰا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّٰي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمّٰا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطٰانُ فَلٰا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْريٰ مَعَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ «1».

و قال أيضا وَ مٰا أَنْسٰانِيهُ إِلَّا الشَّيْطٰانُ أَنْ أَذْكُرَهُ «2» و يؤيّد المدعي انه قال في الحدائق و الظاهر عندي هو العموم لأن اخبار المسألة منها ما ورد بلفظ الشك و منها ما ورد بلفظ السهو و القول بالعموم جامع للعمل بالأخبار كملا و اما التخصيص بالشك فيحتاج الي التأويل في أخبار السهو بالحمل علي الشك و إخراجه عن ظاهر حقيقته اللغوية التي هي النسيان و هو يحتاج الي دليل مع انه لا ضرورة تلجأ اليه الي ان قال و ممن وافقنا في المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا فقال: (و اعلم ان ظاهر عبارات كثير من الأصحاب التسوية بين الشك و السهو في عدم

الالتفات اليهما بل شمول الحكم للسهو في كلامهم اظهر و هو ظاهر النصوص) «3».

الجهة الثالثة: أنه هل تختص القاعدة بالشك في الصلاة

أو تعم المقدمات أو تعم غير الصلاة من بقية العبادات بل تعم المعاملات بالمعني الأخص و الاعم.

الانصاف أن القول بالعموم مستندا الي أن العلة تعمم و تخصص لا يكون جزافا

______________________________

(1) الانعام: 68.

(2) الكهف: 63.

(3) الحدائق: ج 9 ص 291.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 191

بل يكون حقا و موافقا مع الصناعة و الاشكال في التقريب المذكور بان العلة المذكورة في ذيل حديث زرارة و أبي بصير اشارة الي الحكمة لا بيان للعلة مردود بانه مجازفة و اذا لم تكن الجملات المذكورة في كلامه عليه السّلام علة فأين توجد العلة و يؤيد المدعي حديث عبد اللّه بن سنان قال: ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجلا مبتلي بالوضوء و الصلاة و قلت هو رجل عاقل فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان فقلت له و كيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي ء هو فانه يقول لك من عمل الشيطان «1» فانه يستفاد من الحديث ان المسبب من عمل الشيطان غير قابل للاعتناء بشأنه بل الحديث بنفسه كاف للقول بعمومية القاعدة و ان المسبب من عمل الشيطان ساقط هذا من ناحية و من ناحية اخري قد علم من حديث زرارة و أبي بصير ان كثرة الشك من الشيطان فلا وجه للتأمل في عمومية الحكم.

ان قلت سلمنا العموم و الاطلاق لكن لا بد من تخصيص الحكم بمرسلة الصدوق «2» اذ بمفهوم الشرط لا بد من الاعتناء اذا كان الشك في غير الصلاة قلت المرسل لا اعتبار به مضافا الي أن المذكور في المرسل

عنوان السهو و كلامنا في الشك فلاحظ.

الجهة الرابعة: أنه هل تختص القاعدة بمورد يكون الشك من الشيطان

أو تعم صورة ما يكون الشك ناشئا من عارض مزاجي و روحي.

يمكن أن يقال أن المستفاد من التعليل ان الحكم دائر مدار وجود العلة و عدمها فتكون النتيجة انه لو لم يكن مسببا عن الشيطان يلزم ان يعمل علي طبق القاعدة

______________________________

(1) الوسائل: الباب 10 من مقدمة العبادات.

(2) لاحظ ص 187.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 192

و الصناعة و لقائل أن يقول انه اذا كان الامر كذلك يلزم عدم العمل بالقاعدة عند الشك في أنه من الشيطان أو من غيره اذ مقتضي الأصل انه ليس من الشيطان فلا تجري القاعدة و لا يعارض بأصالة عدم كونه من سبب آخر اذ أنه من المثبت الذي لا نقول به.

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان يقال ان المستفاد من النص ان كثرة الشك لا اعتبار بها فانها من الشيطان هذا من ناحية و من ناحية أخري انه كيف يمكن القطع بانه ليس من الشيطان و الحال ان الشيطان عدو للإنسان و ينتظر الفرصة.

و في كل وقت و في كل مكان في مقام الايذاء و ايجاد الوسوسة في الإنسان فان شئت فقل قد صرح الشارع الأقدس و لو بنحو الحكومة و التنزيل ان كثرة الشك من الشيطان فكيف يمكن القطع بعدمه و ببيان أوضح ان العلة المذكورة في النص لا تكون علة تكوينية كعلية الإسكار لحرمة الخمر كي يدور الحكم بالحرمة مدارة بل تكون علة تعبدية أي الشارع يحكم بكون علة كثرة الشك الشيطان فالحق عموم الحكم فالنتيجة انه لا يكون اجمال في المخصص كي يقال اذا كان المخصص المنفصل مجملا و دار أمره بين الأقل و الأكثر يؤخذ بالعام بالنسبة

الي الأكثر.

الجهة الخامسة: ان المرجع في صدق كثرة الشك العرف

فان العرف محكم في باب الظهورات و المقام من مصاديق تلك الكبري.

ان قلت ان الأمر و إن كان كذلك في حد نفسه و لكن يستفاد من حديث محمد بن أبي حمزة ان الصادق عليه السّلام قال اذا كان الرجل من يسهو في كل ثلاث فهو

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 193

ممن كثر عليه السهو «1» خلافه فان الحديث حدد المفهوم أي مفهوم كثير الشك بأن يشك في كل ثلاث و بمقتضي مفهوم الشرط ينتفي الحكم عن غيره قلت ليس الامر كذلك فإن المستفاد من الحديث بحسب الفهم العرفي ان من يكون كذلك داخل في موضوع الحكم شرعا و لا ينفي عن غيره لكن لك أن تقول المفروض ان الشرطية بمفهومها تنفي الحكم عن غير موردها مضافا الي ان الحديث راجع الي السهو و كلامنا في الشك فلاحظ.

الجهة السادسة: أنه هل يكون كثير الظن ككثير الشك

و محكوما بحكمه أم لا؟

قال في المستند كثير الظن مثل كثير الشك و أستدل علي مدعاه بأن الشك خلاف اليقين.

أقول: كلمات أهل الأدب في المقام مختلفة فإن المستفاد من الطريحي و الخليل و المنجد أن الشك خلاف اليقين و أما الراغب فقال في مفرداته الشك اعتدال النقيضين عند الإنسان فيتردد الأمر بين القولين و مقتضي الأصل عدم سعة المفهوم و لا يعارض الاصل المذكور باصالة عدم ضيقه لعدم اعتبار الأصل المثبت و الاحتياط طريق النجاة.

الجهة السابعة: أنه هل القاعدة تختص بمورد الكثرة

فلو كان كثير الشك في الركوع يختص الحكم بمورده أم لا؟ ربما يقال بالعموم بتقريب ان المستفاد من النص ان كثير الشك لا يعتني بشكه و المفروض ان مثله كثير الشك فيلزم عليه ان لا يعتني و لو في غير ما يكون مورد كثرة شكه.

و الذي يختلج بالبال ان يقال ان الحكم مختص بذلك المورد بالخصوص و الوجه فيه أولا انصراف الدليل اليه و لا يكون الانصراف المدعي بدويا يزول بالتأمل

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16 من أبواب الخلل الحديث 7.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 194

و ثانيا ان المستفاد من النص ان الكثرة من الشيطان و من الظاهر ان هذه العلة تختص بذلك المورد الخاص فلا وجه للتعدي الي غيره نعم اذا كان كثير الشك بلا اختصاص شكه بمورد خاص بحيث يصدق عليه انه كثير الشك علي نحو الإطلاق يشمله الحكم في كل شك يعرضه و أما اذا كان شكه مختصا بمورد خاص لا يصدق عليه العنوان علي الإطلاق مثلا اذا كان شخص شكاكا بالنسبة الي جماعة خاصة من الناس لا يصدق ان يقال فلان شكاك بالنسبة الي جنس الاناسي و هذا العرف ببابك و إن أبيت فلا أقل من عدم

الجزم بالاطلاق و النتيجة هي النتيجة.

الجهة الثامنة: انه لو لم يعتن بشكه و ظهر بعد ذلك الخلل في صلاته بزيادة أو نقيصة

جري عليه حكمه فان كان قابلا للتدارك تداركه بالاداء أو القضاء و ان لم يكن قابلا له و كان زيادته أو نقصانه موجبا لبطلان يبطل العمل و ان لم يكن كذلك و كان قابلا للعفو لحديث لا تعاد يحكم به و علي الجملة لا يترتب أثر علي القاعدة بعد انكشاف الخلاف و الوجه فيه ان المستفاد من القاعدة حكم ظاهري و الواقع علي حاله و قد ثبت في محله ان المأتي به بالحكم الظاهري لا يكون مجزيا عن المأمور به بالأمر الواقعي.

الجهة التاسعة: أنه هل الأمر بالمضي و عدم الاعتناء بالشك رخصة أو عزيمة

وقع الخلاف بين الأصحاب فعن الأردبيلي التخيير بين الاعتناء و تركه و قد ذكر لهذا المدعي و جهان أحدهما ان مقتضي حديث زرارة و أبي بصير «1» التخيير فان الجمع بين الصدر و الذيل يقتضي ذلك بتقريب انه حكم عليه السّلام في الصدر بوجوب الاعتناء و في الذيل أمر بعدمه.

و فيه أنه قد مر الكلام حول الحديث و نقلنا طريق الجمع بين الصدر و الذيل

______________________________

(1) لاحظ ص 185.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 195

و علي تقدير عدم امكان الجمع تكون النتيجة هو الاجمال.

ثانيهما: ان الامر بالمضي واقع مقام توهم الحظر فيدل علي الجواز فتكون النتيجة التخيير.

و فيه ان الأمر بالمضي لا يكون مولويا كي يقال انه واقع موقع توهم الحظر بل يكون ارشادا الي اكتفاء الشارع به.

و بعبارة واضحة ان الأمر بالمضي ارشاد الي ان الشك كعدمه اذا عرفت ما تقدم نقول الاعتناء بالشك تارة يوجب بطلان العمل بحسب الظاهر و أخري لا أما علي الاول فلا يجوز و اما اذا لم يكن كذلك كما لو شك في الاتيان بالركوع و عدمه يجوز ان يأتي به في صلاة معادة رجاء نعم لا يجوز

ان يأتي بالمشكوك فيه يقصد الجزئية في الصلاة اذ يكون تشريعا.

إن قلت ان الامام عليه السّلام في ذيل حديث زرارة و أبي بصير نهي و قال لا تعوّدوا الخبيث نقض الصلاة فان المستفاد من الحديث حرمة العمل بالاحتياط قلت المستفاد من الحديث حرمة نقض الصلاة لا حرمة الاحتياط اي اعادة الصلاة مثلا و كم فرق بين المقامين و حيث انجرّ الكلام الي هنا يناسب ان نتعرض لحكم العمل الصادر عن الوسواس و انه هل يكون حراما أم لا و الذي يختلج بالبال ان يقال المستفاد من حديث زرارة و أبي بصير ان ترك المضي و الاعتناء بالشك حرام فانه عليه السّلام قال لا تعودوا الخبيث نقض الصلاة و معني نقض الصلاة عدم المضي و الاعتناء بالشك و جعل الصلاة باطلة و هذا حرام بمقتضي النهي و قال سيدنا الاستاد قدّس سرّه هذا النهي ارشادي و يؤيد المدعي تعليل الحكم في كلام الامام عليه السّلام بانه يريد الخبيث ان يطاع الخ «1».

______________________________

(1) فقه الشيعة: ج 3 ص 272.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 196

و يرد عليه أنه لا وجه لرفع اليد عن ظهور النهي في المولوية و حمله علي الارشاد و مجرد تعليل حكم بعلة لا يكون دليلا علي كون ذلك الحكم ارشادا و الّا يلزم انه لو قال لا تشرب الخمر لأنه مسكر نقول النهي عن شرب الخمر ارشادي و هل يمكن القول به و هل هو يرضي بهذه الكلية و هل الحال كذلك عند الاصحاب و الحال أن في كثير من المقامات يستفاد عموم الحكم من ذكر العلة لاحظ قوله عليه السّلام في تزويج العبد بلا أذن مولاه قال عليه السّلام قريب من هذا

المضمون أنه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجاز جاز و بعموم العلة حكمنا بصحة كل فضولي مع اجازة من بيده الامر فكما تقدم الحق ان يقال كلما صدق عليه عنوان الاعتناء و عدم المضي و ترتيب الأثر علي الشك فهو حرام و اما اذا فرضنا أنه لم يعتن بالشك و لكن أتي بالعمل ثانيا فهل يكون حراما الظاهر أنه لا وجه لحرمته اذ الحرام الامساك عن المضي و اتمام العمل و قد فرض المضي و الإتمام.

إن قلت الاتيان بالعمل ثانيا يكون اعتناءا بالشك فيكون حراما قلت العمل الثاني اعتناء باحتمال المطلوبية الواقعية اذ من الظاهر أن الحكم الواقعي لا يتغير بكثرة الشك كما تقدم و هذا نظير من صلي و بعد الفراغ شك في أنه كان متطهرا أم لا لا اشكال في أن مقتضي قاعدة الفراغ الحكم بالصحة و عدم وجوب الإعادة و لكن مع ذلك لا مانع عن الاحتياط بتحصيل الطهارة و إعادة الصلاة بل الإعادة موافقة مع ميزان التقوي و الاهتمام بالأمر الشرعي.

بقي شي ء و هو أنه لو كان في الصلاة و شك في الإتيان بالسورة مثلا و أتي بها رجاء هل تفسد صلاته أم لا الظاهر أنها لا تفسد إذ لم يقصد الجزئية كي تفسد بالزيادة و من ناحية أخري لا تكون السورة كلاما آدميا كي توجب فساد الصلاة فلا وجه للبطلان و اللّه العالم بحقائق الأمور.

بل لنا أن نقول أنه لا وجه للبطلان و لا مقتضي له اذ لا يبعد بل يقرب ان يقال انّ

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 197

المستفاد من الحديث الإرشاد الي ما هو الصلاح و إن شئت فقل حيث ان الحمل علي المولوية يستلزم

تغير الواقع عما هو عليه و هو مقطوع الخلاف فيحمل الكلام علي الارشاد اللهم الا أن يقال لا يتم التقريب المذكور الّا علي الالتزام بتغير الواقع و لا مقتضي للالتزام به فلاحظ.

الجهة العاشرة: أنه لو شك في صيرورته كثير الشك

أو شك في صيرورته شخصا عاديا يحكم بعدمه في الأول و بقائه في الثاني للاستصحاب هذا في الشبهة الموضوعية و أما اذا كان منشأ الشك الشبهة المفهومية فعلي ما ذكرنا من جريان الاستصحاب فيها يكون مثل الشبهة الموضوعية و يعمل علي طبق الحالة السابقة بالاستصحاب و أما علي القول بعدم جريان الاستصحاب فيها فيدخل المقام تحت كبري أنه لو دار أمر المخصص بين الأقل و الأكل نقتصر في العمل بالمخصص في اطار الأقل و بالنسبة الي الأكثر يرجع الي العام و في النتيجة يظهر الاختلاف بين مسلكنا و ذلك المسلك في التقريب و اما النتيجة فهي واحدة.

الجهة الحادية عشرة: انّ الميزان في عدم الاعتناء أنه لو كان أحد طرفي الشك اقتضائيا دون الآخر بني علي غير الاقتضائي

و بعبارة أخري المراد البناء علي الصحة و التمامية أي البناء علي الاتيان فيما يكون لازما و البناء علي عدمه فيما يكون مفسدا و الوجه فيه ظهور الدليل فيما ذكر بحسب الفهم العرفي هذا تمام الكلام في الشك و يمكن القول بعدم الاعتناء بالنسبة الي كثير السهو للنص الوارد فيه لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» و ما رواه ابن سنان «2» و مقتضي الظهور انه لا بد من عدم الاعتناء بالخلل الناشي عن كثرة السهو الّا أن يقوم اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام علي خلافه و أنّي لنا بذلك قال في المستند و الإجماع المدعي ممنوع و ان

______________________________

(1) لاحظ ص 187.

(2) لاحظ ص 187.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 198

كان في البحار مذكورا كيف مع أنّ الواقع في كلام كثير من الأصحاب أنه لا حكم للسهو مع الكثرة و أرادتهم ما ذكرناه منه محتملة بل ظاهرة و نقل عن صاحب الحدائق انتفاء جميع احكام السهو عنه أيضا كما في الشك.

ثم أنه هل يمكن

الاستدلال بدليل كثرة السهو علي حكم كثير الشك بتقريب ان العلة تعمم أم لا الحق هو الثاني و الوجه فيه ان اسراء الحكم من السهو الي الشك يتوقف علي إحراز كون الشك الكثير من الشيطان و لا طريق الي إحرازه الا من دليل سقوط شك كثير الشك و مع ملاحظة ذلك الدليل لا تصل النوبة الي الاستدلال في حكم كثير الشك بدليل كثير السهو و ان شئت فقل انه من تحصيل الحاصل فإن دليل كثير الشك بنفسه كاف و واف لإثبات المطلوب و لا يخفي أنه كيف يمكن الالتزام بمقتضي قاعدة كثرة السهو و الحال أن لازمه أنّه لو دخل في السجود و علم بعدم الالتزام بالركوع أو علم بتكراره تكون صلاته تامة و هل يمكن الالتزام به و اللّه العالم.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 199

القاعدة العشرون قاعدة الاتلاف

اشارة

و يقع الكلام في هذه القاعدة من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: فيما ذكر أو يمكن ان يذكر في دليل القاعدة

و هو وجوه:

الوجه الأول: قوله تعالي: فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ «1» بتقريب ان اتلاف مال الغير بدون رضاه اعتداء بالنسبة الي ذلك الغير فيجوز الاعتداء علي المعتدي عليه بالمثل فتدل الآية دلالة واضحة علي ان من اتلف مال الغير فهو له ضامن و نقل هذه المقالة و الاستدلال عن الشيخ في المبسوط و عن ابن ادريس في السرائر.

و يرد عليه اولا أن اتلاف مال الغير بدون أذنه اعم من الاعتداء اذ يمكن أن يكون المتلف نائما أو غافلا و أتلف مال الغير و لا يكون في مقام الاعتداء و الحال أنّ الضمان لا يتوقف علي الإتلاف العدواني بل الإتلاف يوجب الضمان علي الإطلاق و ثانيا انّ الظاهر من الكلام انّ المولي بصدد بيان الحكم التكليفي و انه يجوز المكافاة بالمثل و لا ترتبط الآية الشريفة بالحكم الوضعي الذي هو محل الكلام و يدل علي ما ذكرناه ما رواه معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم فقال لا يقتل و لا يطعم و لا يسقي و لا يبايع و لا يؤوي

______________________________

(1) البقرة: 194.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 200

حتي يخرج من الحرم فيقام عليه الحد قال قلت فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق قال يقام عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة و قد قال اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فقال هذا هو في الحرم فقال فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَي الظّٰالِمِينَ «1» فإن المستفاد من الحديث جواز المكافاة

بمثل اعتداء الظالم فلا يدل الحديث علي الحكم الوضعي بل يدل علي الحكم التكليفي كما انه يدل علي الجواز بالنسبة الي من يكون ظالما حيث قال عليه السّلام في ذيل الحديث فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَي الظّٰالِمِينَ* و في النتيجة لا تدل الآية علي المدعي.

الوجه الثاني: السيرة العقلائية فإنّها جارية و سارية علي الحكم بضمان من يتلف مال الغير بلا رضاه و اذنه و لم يردع من قبل الشرع هذه السيرة و ذكرنا كرارا ان الشارع ليس له طريق و مسلك خاص بالنسبة الي الأمور الاجتماعية الجارية بين الناس الّا فيما ينبّه عليه و يقيم دليلا علي خلاف ما يكون جاريا بين العقلاء.

الوجه الثالث: سيرة المتشرعة بما هم كذلك فأنهم يرون ان الوظيفة الشرعية الضمان و يهتمون بها و ارتكازهم مستقر عليه.

الوجه الرابع: الإجماع المدعي في المقام و يرد فيه بان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك إن لم يكن مقطوعه.

الوجه الخامس: جملة من الروايات منها ما رواه حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها اقتضها فافضاها فقال ان كان دخل بها حين دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه و إن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فانه

______________________________

(1) تفسير البرهان: ج 1 ص 192 الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 201

قد افسدها و عطّلها علي الازواج فعلي الامام أن يغرمه ديتها و ان أمسكها و لم يطلقها حتي تموت فلا شي ء عليه «1» فان قوله عليه السّلام فإنه قد أفسدها و عطلها علي الأزواج

بمنزلة علة الحكم و توطئة له و عموم العلة يقتضي عموم الحكم الّا أن يقال قد عطف قوله عليه السّلام و عطلها علي الأزواج علي قوله أفسدها فيكون المجموع علة للتغريم فلا يستفاد من الحديث ان مجرد الافساد و الاتلاف يوجب الضمان و الغرامة.

و منها ما رواه سدير عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يأتي البهيمة قال يجلد دون الحد و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها لأنه افسدها عليه و تذبح و تحرق ان كانت مما يؤكل لحمه و إن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها و جلد دون الحد و اخرجها من المدينة التي فعل بها فيها الي بلاد اخري حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها «2» فانه عليه السّلام قد علل التغريم بافساد البهيمة علي صاحبها و العلة تعمم الحكم.

لكن الاشكال في السند فان سدير لم يوثق و انما نقل مدحه عن الكشي.

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق احدهم نصيبه فقال ان ذلك فساد علي أصحابه فلا يستطيعون بيعه و لا مؤاجرته فقال يقوّم قيمة فيجعل علي الذي اعتقه عقوبة و انما جعل ذلك عليه لما أفسده «3» فان الحكم في كلامه عليه السّلام قد علّل بالافساد و العلة تعمم.

و منها النصوص الدالة علي ان حرمة مال المسلم كحرمة دمه منها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سباب المؤمن فسوق

______________________________

(1) الوسائل: الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9.

(2) الوسائل: الباب 1 من أبواب حد نكاح البهائم الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 18 من أبواب

العتق الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 202

و قتاله كفر و أكل لحمه معصية للّه و حرمة ماله كحرمة دمه «1» و منها ما رواه أبو ذرّ عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في وصية قال يا أبا ذرّ ايّاك و الغيبة فان الغيبة اشدّ من الزنا … الي أن قال يا أبا ذرّ سباب المسلم فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه من معاصي اللّه و حرمة ماله كحرمة دمه «2» الحديث و منها ما في دعائم الإسلام قال:

روينا عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خطب يوم النحر بمني الي أن قال: ثم قال ايّ يوم اعظم حرمة قالوا:

هذا اليوم يا رسول اللّه الي أن قال: فان حرمة اموالكم عليكم و حرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الحديث «3».

و منها ما فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في حديث فمن نال من رجل مسلم شيئا من عرض أو مال وجب عليه الاستحلال من ذلك و التنصّل من كل ما كان منه اليه و إن كان قد مات فليتنصّل من المال الي ورثته الي أن قال ثم قال: و لست آخذ بتأويل الوعيد في أموال الناس و لكنّي أري ان يؤدّي اليهم ان كانت قائمة في يدي من اغتصبها و يتنصّل اليهم منها و ان فوّتها المغتصب اعطي العوض منها فان لم يعرف أهلها تصدق بها عنهم علي الفقراء و المساكين و تاب الي اللّه عزّ و جلّ مما فعل «4».

و منها ما عن صاحب

الزمان عليه السّلام قال: لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه «5» بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة ان مال المسلم أو المؤمن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 12.

(2) نفس المصدر الحديث 9.

(3) مستدرك الوسائل: الباب 1 من أبواب الغصب الحديث 1.

(4) نفس المصدر الحديث 2.

(5) الوسائل: الباب 1 من أبواب الغصب الحديث 4.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 203

محترم كحرمة نفسه فكما ان قتل نفسه يوجبا لضمان و لو مع عدم العمد كذلك يكون اتلاف ماله موجبا للضمان.

الوجه السادس: انه لا اشكال في ضمان من غصب مال الغير مدة أعم من ان ينتفع به أولا كما لو غصب فرس زيد شهرا و لم يركبه فانه لا اشكال في السيرة العقلائية و عند المتشرعة أنّه ضامن للمنفعة الفائتة و لا بدّ من غرامة تلك المنفعة في تلك المدة فاذا كان الأمر في اتلاف المنفعة مع بقاء العين بحالها كذلك فلا وجه للتوقف في الضمان بالنسبة الي المقام.

الوجه السابع: جملة من النصوص الواردة في بعض أبواب موجبات الضمان منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له رجل حفر بئرا في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها فقال عليه الضمان لأنّ كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان «1» و منها ما رواه أبو الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام من اضرّ بشي ء من طريق المسلمين فهو له ضامن «2» و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه فقال أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان و أما ما حفر في

الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه «3» و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن الشي ء يوضع علي الطريق فتمر الدابة فتعقره بصاحبها فتقره فقال كلّ شي ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه «4» و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من اخرج ميزابا أو

______________________________

(1) الوسائل: الباب 8 من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

(4) الوسائل: الباب 9 من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 204

كنيفا أو أوتدا وتدا أو اوثق دابة أو حفر شيا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن «1» بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص ان تسبيب التلف يوجب الضمان فالمباشر له يكون ضامنا بالأولوية.

الوجه الثامن: ما رواه جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في شاهد الزور قال: إن كان الشي ء قائما بعينه رد علي صاحبه و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل «2» فان الحديث يدل بوضوح علي ضمان المتلف فان المستفاد من الحديث ان الشاهد بشهادته الباطلة ضامن بالمقدار الذي اتلف من مال الغير فيستفاد من الحديث ان الإتلاف موجب للضمان.

الجهة الثانية: ان المراد من المال ما يبذل بازائه الشي ء عند العقلاء

و عليه لا فرق في الضمان بين تعلق الاتلاف بالعين التي لها مالية كما لو كسر صندوقا لزيد و بين تعلق الاتلاف بنفس المالية مع بقاء العين كما لو وضع عينا في مقابل الشمس أو في مكان يوجب وضعه في تلك المكان زوال مالية ذلك المال.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الأنوار البهية في القواعد

الفقهية، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1423 ه ق الأنوار البهية في القواعد الفقهية؛ ص: 204

ان قلت الظاهر من عنوان المال العين التي تكون ذات مالية فلا يشمل الدليل ما اذا اتلف المالية مع بقاء العين.

قلت: الظاهر ان العرف بمناسبة الحكم و الموضوع يفهم ان الميزان هي المالية مضافا الي أنه لا فرق في سيرة العقلاء بين المقامين كما أن ما ورد في النصوص من عنوان الافساد و التعطيل و ما شابهها يشمل اتلاف المالية وحدها فلا وجه للتأمل.

الجهة الثالثة: ان الظاهر من الاتلاف الافناء

أي من افني مال الغير بدون رضاه فله ضامن.

الجهة الرابعة: ان المراد من الضمان اشتغال الذمة بعين التالف

و لذا لو رجع

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11 من أبواب موجبات الضمان.

(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب الشهادات الحديث 2.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 205

التالف الي ما كان أولا لا وجه لضمان المتلف بغيره نعم لو لم يكن رد العين كما هو كذلك عادة تصل النوبة الي الاقرب منه من المثل أو القيمة فلاحظ.

الجهة الخامسة: أنه لو اجتمع السبب و المباشر في اتلاف شي ء

فهل يكون الضامن السبب أو المباشر أو كليهما أو لا هذا و لا ذلك.

الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان يقال الحق عدم ميزان كلي بل الموارد مختلفة اذ موضوع الضمان كون الاتلاف مستندا اليه فتارة يكون الشخص سببا و لكن يصدق انه اتلف العين كما لو فتح باب القفص و طار الطير أو أكله سبع فإنه يصدق ان الفاتح للباب اتلف الحيوان و قد يكون الاتلاف مستندا الي المباشر كما لو أمر شخص شخصا باتلاف مال شخص ثالث فان المتلف للمال المباشر للإتلاف بلا اشكال فالميزان هو صدق عنوان الاتلاف الذي يكون موجبا لضمان من يتصدي له و لو فرض الشك في صدق العنوان علي ايّهما و تردد الامر بينهما فالظاهر عدم تحقق الضمان لا بالنسبة الي المباشر و لا بالنسبة الي السبب إذ كل واحد يشك في صدق الموضوع عليه و الأصل عدمه و العلم الإجمالي في المقام لا أثر له إذ الأمر مردد بين شخصين و التكليف دائر بينهما نظير ما تردد امر المني بين شخصين فان كل واحد ينفي عن نفسه بمقتضي الاستصحاب و في بعض الفروض لا يكون الاتلاف مستندا الي الشخص كما لو اجّج نارا بلا قصد اتلاف شي ء و بحسب التصادف عبر عابر من ذلك المكان و أصابت النار عباءته فتلفت لا يكون المؤجج

للنار ضامنا إذ لا يصدق عليه انه اتلف عباءته.

الجهة السادسة: أنه لو أكره أحد زيدا علي اتلاف مال بكر فهل يكون زيد ضامنا لبكر أم لا

الظاهر أنه غير ضامن إذ حديث الرفع كما يرفع الحكم التكليفي يرفع الحكم الوضعي فكما أنه لا يكون حراما تكليفا لا يكون موجبا للضمان.

و الذي يتخلج بالبال أن يقال ان العقلاء يرون المكره بالكسر ضامنا كما ان

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 206

التناسب يقتضي ذلك و إن شئت فقل ذوق الفقاهة يقتضي هذا الأمر الّا و اللّه العالم.

بقي شي ء لا بأس بالتعرض له و إن كان خارجا عن محل الكلام و هو أنا قلنا انّ المستفاد من قوله تعالي: فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ «1» الحكم التكليفي لا الوضعي و عليه يكون المراد أنّ من لم يراع حق الناس و اعتدي علي غيره يجوز لذلك الغير ان يفعل بالمعتدي بالمثل فلو فرضنا انه ضربه ضربة يجوز للمضروب ان يضرب الضارب ضربة و هكذا و أيضا لو اتلف مالا له يجوز له أن يتلف ماله بالمقدار الذي اتلف عن ماله و لا تنافي بين الجواز المذكور و الضمان بواسطة الاتلاف و بعبارة اخري لا تنافي بين المقامين غاية الامر ان المعتدي عليه لو اتلف هذا المقدار عن المتلف تكون النتيجة التهاتر و أما اذ لم يكافي يكون المعتدي ضامنا له اللهمّ الّا أن يقال ان العرف يفهم عدم الضمان في هذه الموارد و اللّه العالم.

______________________________

(1) البقرة: 194.

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 207

القاعدة الواحدة و العشرون قاعدة انحلال العقود الي عقود متعددة

اشارة

و يقع البحث في هذه القاعدة من جهات:

[جهات البحث]

الجهة الأولي: في المراد من انحلال العقد

فنقول لا اشكال و لا كلام في ان هذه القاعدة لا تجري فيما لا يجوز فيه التبعيض فلو باع عبده لا يتوهم انحلال العقد الي بيع رأس العبد و رجله مثلا فان بيع الجزء الخارجي للعبد غير قابل للبيع بل الكلام في الجزء المشاع و أيضا لا يتصور انحلال بالنسبة الي تزويج المرأة فان التزويج انما يتعلق بالمرأة و لا يجوز تعلقه بجزء خارجي منها أو جزء مشاع و أيضا لا يكون البحث في هذه القاعدة فيما لو جمع البائع بين شيئين كالكتاب و الفرش و يكون قصده بيع كل واحد منهما علي حياله و استقلاله بحيث لا يكون ربط بينهما و انما جمعا في مقام الانشاء كما لو باع داره مباشرة في الساعة الثانية من الليل و باع في تلك الساعة و كيله كتاب الموكل فانه لا مجال لبحث الانحلال في الفرض المذكور إذ لا مقتضي للانحلال كما هو ظاهر و بعبارة واضحة الانحلال مفروض و متصور في صورة الانسجام و التركب و في الصورة المفروضة لا تركب في الواقع و مقام اللب فالانحلال فيه يكون من مصاديق تحصيل الحاصل.

الجهة الثانية: في ان القاعدة الأولية هل تقتضي الانحلال أم لا

الحق هو الثاني و الوجه فيه ان الأثر في الامور الوضعية مترتب علي طبق اعتبار المعتبر و تابع له و دائر مداره و بعبارة اخري العقد تابع للقصد و التخلف علي خلاف القاعدة الأولية

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 208

و يحتاج الي قيام دليل عليه فلو باع زيد داره يتعلق قصده بتمليك مجموع الدار من حيث هو من المشتري لا انه باع نصفه و ثلثه و ربعه الي آخره و لذا يكون نصف الدار جزءا للمبيع لا انه مبيع و الّا يلزم التسلسل لاستحالة

الجزء الذي لا يتجزي و أيضا يلزم تعدد الخيار بعدد البيوع إذ كل بيع له خيار المجلس مثلا و أيضا يلزم تعدد البيوع بحسب الأجزاء الخارجية في قبال الكسور.

و صفوة القول انّ البيع المتعلق بعين يكون بيعا واحدا و لا يعقل و لا يتصور فيه التعدد كما ان الحكم التكليفي المتعلق بالمركب الاعتباري كذلك فان الأمر المتعلق بالصلاة لا ينحل الي أوامر عديدة و واجبات متعددة بل الأمر واحد و الواجب كذلك و كل جزء من الصلاة جزء الواجب لا واجب بحياله و استقلاله و لذا لا معني للواجب الضمني الا هذا المعني و بعبارة واضحة كل جزء من المركب الذي تعلق به الأمر بشرط انضمام بقية الأجزاء اليه واجب لا أنه واجب علي نحو اللابشرط و من الظاهر ان الجزء المضاف الي بقية الأجزاء عبارة أخري عن الكل و علي هذا الأساس قد ذكرنا في بحث دوران الأمر بين الأقل و الأكثر أنّه لا مجال لأن يقال ان الأقل واجب قطعا و الشك في الأكثر بل الأمر دائر بين وجوب الأقل و الأكثر و لا قدر متيقن في البين و عليه يكون الاصل الشرعي متعارضا و بالتعارض يسقط و انما البراءة العقلية تجري بالنسبة الي الأكثر و لا تجري بالنسبة الي الأقل اذ المكلف يقطع باستحقاق العقاب بترك الأقل فيلزم الإتيان به و التفصيل موكول الي ذلك المقام الذي يكون مزلة الاقدام و قد ذكرنا أخيرا أنّه لا وجه لجريان البراءة العقلية أيضا بل المحكم ادلة الاحتياط نعم علي القول بجريان الأصل في بعض اطراف العلم الإجمالي لا مانع عن جريانه عن الأكثر فالنتيجة أن مقتضي القاعدة الأولية عدم الانحلال.

الجهة الثالثة: أنه هل يكون دليل يدل علي الانحلال

و علي خلاف مقتضي

الأنوار

البهية في القواعد الفقهية، ص: 209

الأصل الأولي أم لا ربما يقال هناك وجوه دالة علي خلاف القاعدة.

الوجه الأول: الاجماع و فيه الأشكال الساري في الاجماعات اذ المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله أيضا لا اعتبار به الّا فيما يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام.

الوجه الثاني: ان بناء العقلاء و سيرتهم في المعاملات علي التبعيض فلو باع زيد عبده مع عبد غيره بيعا واحدا يحكمون بصحة البيع بالنسبة الي مملوكه و بعدم صحته بالنسبة الي غير مملوكه و لم تردع هذه السيرة من قبل الشارع و هذا الوجه لو تحقق و أمكن الجزم به يمكن ان يجعل وجها للمدعي لما ذكرنا مرارا أن الشارع الأقدس لا يكون له مسلك خاص في الامور الاجتماعية الّا فيما قام الدليل علي التصرف فيه و لكن الاشكال تمام الاشكال في تحقق هذه من قبل العقلاء حتي فيما يكون الامر ظاهرا لديهم و علموا بان بايع الدار المشتركة باع بتمامها و لم يتعلق قصده بيع خصوص حصته فهل يحكم العقلاء بصحة البيع بالنسبة و هل يحكمون بالانحلال مع علمهم بان البائع قصد بيع مجموع الدار و كاره لبيع مملوكه الخاص و يضاف الي ذلك أنهم اذا فهموا بان البيع المتعلق بالمجموع بما هو مجموع لا ينحل بحسب طبعه و نفسه الي بيوع متعددة و بعبارة واضحة تارة العقلاء و العرف يعتقدون ان البيع المتعلق بالعين ينحل الي بيوع متعددة و علي هذا البناء و الخيال يحكمون بالانحلال فيما يكون البيع متعلقا بالمال المشترك مع عدم رضا الشريك و اما اذا علموا بان الامر ليس كذلك كما بيناه فكيف يمكن الجزم ببنائهم و اذا وصلت النوبة الي

ما بيناه لا يمكن اعتبار السيرة مثلا لو فرض ان العقلاء يعتقدون بان اللفظ الفلاني ظاهر في المعني الكذائي و يرتبون الأثر عليه بواسطة هذا الاعتقاد فهل يكون عملهم صحيحا مع ان ذلك اللفظ لا يكون كذلك و اذا وصلت النوبة الي الشك في ان مثل هذه السيرة المنحرفة عن الجادة حجة يكون مقتضي الأصل

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 210

عدم اعتبارها.

الوجه الثالث: انه لا فرق بين بيع المملوك مستقلا و بيعه منضما اذ البيع علي كلا التقديرين تعلق بما يصح و يشمله دليل الصحة من دليل احلال البيع و تجارة عن تراض و الوفاء بالعقد علي مسلك من يري الآية دليلا علي الصحة علي خلاف ما رمناه.

و بعبارة واضحة بيع المجموع بطبعه و نفسه ينحل الي البيوع فلا اشكال.

و يرد عليه انّ التقريب المذكور بمراحل عن الواقع فان الانحلال المدعي متوقف علي لحاظ كل جزء بحياله و استقلاله و الحال انّ كلامنا في المقام صورة تعلق البيع بالمجموع من حيث المجموع و لذا لو باع أحد داره لا يصح أن يقال زيد في هذا اليوم باع بيوعا متعددة إذ باع داره و باع نصف داره و ثلثه و ربعه الي غيرها و هذا العرف ببابك و يتضح بطلان المدعي بأنه لو أمر المولي باكرام عشرة من العلماء بنحو العام المجموعي فهل يمكن ان يقال انه يحصل مقدار من الامتثال بإكرام واحد منهم أو اثنين كلا ثم كلا و الوجه فيه أنّ الواجب الاكرام الخاص و هو لا يصدق علي البعض و لعمري هذا واضح ظاهر.

الوجه الرابع: انّ البيع سبب شرعي لانتقال المبيع الي المشتري فاذا فرضنا انه تعلق بشيئين و يكون الشرائط بالنسبة الي

احدهما تامة ليتحقق المسبب فالانحلال أمر علي القاعدة.

و فيه انّ الوجه المذكور مصادرة كالوجه الثالث مضافا الي انّ البيع و أمثاله من العقود و الإيقاعات لا تكون اسبابا بل موضوعات للأحكام و المفروض انّ العقود و الايقاعات تابعة للقصود و الّا يلزم بان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و هذا خلاف القاعدة فما ادعاه من القاعدة تكون علي خلافها.

الوجه الخامس: ما رواه محمد بن الحسن الصفار انه كتب الي أبي محمد

الأنوار البهية في القواعد الفقهية، ص: 211

الحسن بن علي العسكري عليه السّلام في رجل باع قطاع أرضين فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه و عرف حدود القرية الأربعة فقال للشهود اشهدوا أني قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حدّ منها كذا و الثاني و الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد أقرّ له بكلها فوقّع عليه السّلام لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1» فان الحديث يقتضي الالتزام بالانحلال و التبعيض علي خلاف القاعدة الأولية و من الظاهر أنه لا يبقي اعتبار لقاعدة بعد ورود ما يخالفها من مخازن الوحي أرواح العالمين لهم الفداء لكن الحديث يختص بالمورد الخاص.

هذا تمام الكلام في هذه القاعدة و الحمد للّه أولا و آخرا.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.